مسامير متوسطة الحدّة

مريم العدوية

1

تكمل تأثيث وجهها بوضع ظلال العيون، ومن ثم تتوجه إلى مكتب عملها. لا ظل يتبعُها سوى ظل عانس كئيب. تُحدثُها نفسها: ليت أحدهم يبادر بحرق الظل الكئيب.

2

اختبأ خلف خزانة الملابس وبكى بحرقةِ قائلاً: سيشويني الله حتما لقد آذيتُ أبي.

كان قد صفع والده بالكرة أثناء لعبه بالساحة بينما والده يحدثُ أحدهم بالهاتف. استدار الأب بعينين مغرورقتين بالدموع لفرط النكات الذي تبادله مع صديق له، بينما فرّ الصغير هاربا!.

3

كانت جميلة بما يكفي؛ ليبيعُوها لأكبر تاجر، وكان التاجر نجسًا إلى حدٍ بعيد لينفق حياتها لأتفه نزوة!

4

سأل أمه: لماذا نشرب الحليب واللبن ولا نشرب الزيت مثلاً؟

أجابته: لأننا لا نشرب سوى ما لونه أبيض

سألها: لمَ؟

رمت الإجابة عليه كيفما جاءت: لأن الزيت رائحته كريهة

أكله الاستغراب حيثُ والده يشرب زيتاً رائحتهُ مقرفة!

5

نضجت بما يكفي ليأكلوها، وأخرى نسي الزمن أن يهبها لأحدهم فأكلتها الوحدة. الأمر لا يتعلق بهن أو بالزمن إنما بحتمية الالتهام!

6

بينما كانت تصلي، دخل يجر قدميه وتكور على سريرها كجنين، فرغت من بث أمنياتها لله وتحاشت النظر إلى عينيه؛ كي لا تخدش كبرياءه. برأفة الأم مسحت على رأسه وكلها ثقة بأن جرحهُ غائر وخلف جرحه امرأة.

7

قالت له: من عينيك يطل طفل شقي.

لم يخبرها: بأن عيون الأطفال لا تنكسر، وبأن عينيّ طفله أصابها الرمد، منذ أن خسر حبيبته -التي انتحرت يوم أن حقنت وجهها بالسيليكون- لكنه اكتفى بالصمت!

8

يدخل البيت فترتفع حشرجته، هكذا هو منذ أن تلقى صفعة على قفاه عثرته ليسقط أمام الحاضرين ومن ثم تطاير زبد والده عليه راشقاً إياه بالسباب:

سلّم يا حمار

9

كتب ...

"مُتعب هو الواقع

وقاسية هي الحياة في تحدياتها

ووحدها الموجهات الأولية في عراك الحياة من تصنعك/تصقلك...

لأنها تخرج أنفس ما بداخلك وتظهر معدنك. كلما حسبت أنك تضررت من الحياة تكتشف أنها أعطتك دروساً في المقابل قد تكون أثمن من الحياة برمتها!"

...ثم سلم نفسه لسُباتِ عميق.

10

تعلم أن تكون دائماً على أهبة الاستعداد، وأن تؤمن بما هو أفضل لك، وتبذل في سبيله كل ما في وسعك وتفاءل. تعلم أن لا تعتمد على أحد ولا تكثر من الظن، كن بسيطاً في حياتك وتقبل كل شيء برحابه صدر، تكن سعيدا.

قالت لي الحياة يوماً ... ونسيت!

11

أصبح يدرك تماماً

ما معنى أن ينفطر القلب ...

وأن يقتلع الخذلان كل براعم الأمل ...

منذُ أن وجد نفسه مُفلسا من كل شيء إلا الحزن!

12

ننتقم منهم فنبتعد؛ لأننا نظن أنهم قرروا الابتعاد

ويفعلون بالمثل فالظن تسرب إلى أعماقهم كذلك

في متاهات الظن لا نفتأ نغرقُ في الظنون وتخوزقنا الوحشة.

13

"لا تعتذر إلا لأمك"

لأمي سأعتذر لأني أؤمن في أعماقي بذلك حقاً...

فليس سواها من يستحق أن نطأطئ له الرأس معتذرين

14

في عمر مُبكر كُنتُ أكتبُ حروفا حرة/ مجنونة

تبقى قيد الدرج

اليوم تسافر حروفي لكنها عاقلة / ميتة!

15

تسألني أمي مداعبة:

أتحبين ابنك

أنا... أتساءل إن كان للحُب مدى، فما فتئ يرقى بي حتى كدتُ أحسبني على السحاب أعربد.

16

كيف للأحلام أن تتخذ وضعية الخجل ثم تتقهقر وتتواضع للحد الذي تتلاشى فيه..

حتى كدنا ننسى ما هي أحلامنا التي كانت لا تغفو ولا تسمح لنا بغفوة؟

17

كنا نحاول أن نتذوق طعم الذنب.

نختبئ لنستمع لبعض الموسيقى وقلوبنا ترتجف

ماذا لو أن الموت خطفنا؟ وجاء الوعد وصبوا فوق آذاننا العقاب ؟

لم نكن نعلم بأن الموسيقى في كل ما حولنا تصبُ فينا وحيها.

وبأن الذنوب لا تشبه الموسيقى دائماً، كما أن كلامهم لا يشبه الطاعات بالضرورة.

18

مضحك أن ينتهي المطاف بأحدهم باحتساء كوب شاي دافئ على مكتب متواضع والقيام بأعماله المكتبية على نحو روتيني مقيت، في مقابل حصوله على راتب يمنحه كفاف العيش والكف عن الأحلام أو السعي نحو شيء ما!

19

يدخل باب السينما، فيتذمر للمرة الألف

ما زلتُ متعجباً منهم، لماذا يقولون أن السينما حرام؟

صديقهُ يميل برأسه إليه: أهي حرام؟

هو: هم يقولون

الصديق: إذن لما نحن هنا؟!

20

حسناً ربما أكون مخطأً وأكتشف هذا بعد أن يفوت الأوان، ولكن بكل تأكيد حينها عِوضا عن شعوري بالأسف سأكون ممتناً كوني كُنت أنا، ولم أقتلني حياً.

"كان يكتب هذه العبارة قبل كل مغامرة ثم يمضي بهدوء".

تعليق عبر الفيس بوك