تحية للعمال في عيدهم

فهمي الكتوت

من تقاليد الطبقة العاملة الاحتفال في الأول من مايو، للوقوف على أهم منجزاتها الاجتماعية والنقابية والسياسية، ولتجديد العهد على مواصلة النضال ضد استغلال الإنسان للإنسان، وضد أشكال التمييز العنصري والطائفي والمذهبي والقومي، ومن أجل التحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية، ونيل الحرية والديمقراطية لشعوب الأرض قاطبة، والنضال من أجل استقلال آخر مستعمرة على الكرة الأرضية، فلسطين التي مازالت تحت نير الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. ومن أجل وقف شلال الدم في الوطن العربي، على أيدي التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي، وأدواته من القوى الظلامية، ومن أجل العدل والمساواة.

يأتي عيد العمال في هذا العام في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية في غاية التعقيد، فالتصعيد العسكري في المنطقة العربية احتل أولى اهتمامات العمال، بعد تمكن أمريكا من تأجيج الصراعات الإقليمية، وفتح عدة جبهات في الوطن العربي، وتوريط أوساط شعبية في صراعات طائفية ومذهبية، اشغلتها واستنزفتها وحرفتها عن الصراع الرئيسي، المتمثل بين العمل ورأس المال، وكان آخرها فتح معركة جديدة لم تقتصر على الصراع الداخلي، والتدخل الخارجي غير المباشر كما هو الحال في سوريا والعراق، بل هناك تدخل مباشر في اليمن بسبب اختلال موازين القوى الداخلية في غير صالح حلفاء أمريكا.

ما يشهده الوطن العربي في هذه المرحلة، جزء من الصراع المحتدم في العالم، بين الطبقة العاملة والفقراء المقهورين والمضطهدين في البلدان الرأسمالية وشعوب البلدان النامية في القارات الثلاث من جهة، وبين الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات عابرة القارات من جهة أخرى. إضافة إلى الصراع الدائر بين التكتلات الاقتصادية العالمية المتمثلة في الاقتصادات الناشئة -الصين روسيا الهند- والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

فمنذ انفجار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في سبتمبر 2008، التي فتحت الباب على مصراعيه أمام مرحلة جديدة، سمتها الأساسية، انهيار إحدى ركائز الاستعمار الاقتصادي، بتقسيم العالم الى دول منتجة ودول مستهلكة ومصدرة للخامات، وحصر المجموعة الأولى في المراكز الرأسمالية "أوروبا الغربية وأمريكا واليابان" وبعض الدول الآسيوية التي ارتبطت بالاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات، مثل كوريا الجنوبية والفلبين وغيرها، والصعود القوي لمجموعة بركس، الأمر الذي عمق الأزمة الرأسمالية وعرقل الخروج من حالة الركود الاقتصادي على الرغم من مرور ست سنوات على انفجار الأزمة. ومن أهم تداعيات الأزمة، إضعاف الدور الأمريكي، وانتهاء حقبة سوداء تمثلت بتفردها في قيادة العالم، تخللتها حروب قذرة شنتها على عدد من الدول، وبداية تشكل عالم متعدد القطبية.

في ظل هذه المتغيرات الدولية، واشتداد الأزمات المالية والاقتصادية، في الوطن العربي، واستدراج معظم الدول العربية غير النفطية نحو فخ المديونية، وما يعنيه ذلك من الرضوخ لشروط وإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، بفرض سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي، وتحرير أسواق المال والتجارة الداخلية والخارجية، وإزالة الحواجز أمام انسياب السلع من مختلف أرجاء المعمورة، وفرض سياسة التخاصية باستيلاء الاحتكارات الرأسمالية على مقدرات ومنجزات البلدان العربية، وانعاش دور وكلاء الشركات الأجنبية "الكمبرادور" والطبقة الطفيلية التي تشكلت نتيجة نهج الفساد والاستبداد، على حساب العمال والفلاحين والفقراء والمهمشين، الذين تحملوا عبء وتكلفة السياسات الليبرالية الجديدة.

شكلت هذه المعطيات مقدمات موضوعية لانفجار الشارع العربي في وجه الطغيان والفساد والاستبداد، والقهر الطبقي، من أجل "الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية" وشكلت هذه الشعارات قاسما مشتركا بين مختلف العواصم العربية، في الوطن العربي الكبير في مشرقه ومغربه، حين اجتاحت المظاهرات الشعبية شوارع العواصم العربية ضد الظلم والاستبداد، ونجحت في إسقاط أعتى الديكتاتوريات، ما شكل خطرًا حقيقيًا على مصالح الاحتكارات الرأسمالية التي استخدمت أدواتها واحتياطاتها في الوطن العربي مستغلة ضعف القوى السياسية التقدمية، وتمزقها وغياب برنامجها الموحد في مواجهة التحديات، وتخلفها عن قيادة الجماهير الشعبية في مرحلة احتدام الصراع، والقيام بمبادرات سياسية في توجيه الزخم الشعبي العفوي، والمتدفق حماسًا ضد السياسات الليبرالية وفك التبعية وتحقيق الديمقراطية الشعبية، والعدالة الاجتماعية.

كما زجت أمريكا بقواها الإقليمية والإستراتيجية، وجندت عملاءها وجواسيسها ومنظماتها السرية، وترسانتها العسكرية الممولة من ثروات الأمة العربية المنهوبة، لضخ مزيد من الأموال في شريان الاحتكارات الرأسمالية ومصانع السلاح، لإنعاش الرأسمالية المتداعية؛ وتدمير البنية التحتية في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وتحويل مجرى الصراع في المنطقة العربية، وإشعال الصراعات المذهبية، التي زرعها بريمر في العراق، ونشرتها الحركات التكفيرية. وما قرار الكونغرس الأمريكي الأخير بالتعامل مع الكرد والسنة في العراق، متجاهلا وجود دولة وشعب عراقي، إلا تعبير عن السياسة العدوانية ضد العراق ووحدته الوطنية، وخطوة باتجاه تفتيت الوطن العربي وإقامة "دويلات مذهبية"، خدمة لمصالح الاحتكارات الرأسمالية و "إسرائيل" اما الخاسر الحقيقي فهو الامة العربية عامة، والطبقة العاملة والفقراء والمهمشين والمعدمين المشردين خاصة، الذين فتكت بهم الحروب الإمبريالية، ودفعوا ثمنا غاليا لأطماع وجشع رأس المال، والطغمة المالية المتحكمة بمصائر البشر.

أما المشهد السوداوي الذي نعيشه في هذه الأيام، فلن يكون المشهد الأخير، فالأزمة الرأسمالية أزمة هيكلية بنيوية ملازمة للنظام الرأسمالي. وإن فجر الحرية سيضيء الطريق أمام المقهورين في كل بقاع الأرض، نحو العدل والمساواة. وكل عام وأنتم بخير.

تعليق عبر الفيس بوك