"كلنا أخوة".. جواز سفر عُماني للتسامح

د. سيف المعمري

حين أصدرتْ الكاتبة زينب الغريبية مجموعتها القصصية الموجَّهة للأطفال "أحب وطني"، أطلقتْ في إحدى قصص هذه المجموعة صرختها "كلنا أخوة"، هذه الصرخة في هذه القصة في طريقها لتصبح جوازَ سفر إنسانيًّا بهُوية عمانية للتسامح؛ لأنَّ جميع من اطلع عليها من خبراء في مجال المواطنة والدراسات الدينية -وآخرهم الخبراء الذين اجتمعوا في المؤتمر الذي نظمته مؤسسة "أديان" تحت عنوان "التربية من أجل المواطنة الحاضنة للتنوع من أجل العيش معا بسلام" يوم 24 و25 أبريل 2015م في بيروت، وأيضا الخبراء والباحثون المشاركون في الملتقى الدولي الثامن بعنوان "المواطنة والتنمية" الذي نظَّمته جامعة سطيف الجزائرية خلال الفترة من 14-15 أبريل 2015م- أكدوا أنَّ هذه القصة تعتبر رسالة عالمية مختصرة من أجل الدعوة إلى التسامح والسلام الإنساني، وأنه يحسب للكاتبة وبلدها طرح هذا المضمون لتربية الأطفال منذ سن مبكرة على هذه القيمة المهمة لتجنيب آلاف الأطفال المآل الذي وصلت إليه المجتمعات العربية والإنسانية من تمزق لأسباب مرجعها عدم قبول الاختلاف وبالذات الاختلاف الديني والمذهبي.

... إنَّ الكاتبة عندما أطلقت هذه الصرخة كانت تدرك أن المجتمعات الإنسانية بصفة عامة، والإسلامية بصفة خاصة تمرُّ بأزمة عميقة جدا في قيمة التسامح، ليس على مستوى واحد فقط، وإنما على مستويات متعددة تمتد من الفرد إلى المؤسسة والدولة؛ حيث تنشأ صراعات حدة من أسباب كان يمكن تجنبها، وتعمِّق معها الرغبة في الانتقام التي تجرد الإنسان من إنسانيته التي بثها فيه الله سبحانه وتعالي، وتجعله ينظر كل يوم فيمن حوله في الحي أو المؤسسة أو الجامعة، ولا يرى فيهم إلا أعداء يجب أن يقضي عليهم، ويتلذذ بتعذيبهم، ويهدر كرامتهم؛ وبالتالي أدى تزعزع هذه القيمة إلى مقتل آلاف البشر في أماكن متفرقة من العالم كل يوم.

وبصفتي كنت مستشارا تربوياً لهذه المجموعة، كنت أعرف أنَّ الرسالة الإنسانية التي تريد أن تبعث بها هذه الكاتبة إلى مُجتمعها والعالم عميقة ومعقدة، وربما يجدها البعض صعبة ليس من السهل اختصارها، ولكن الكاتبة فكرت طويلاً من أجل اختصار هذه الرسالة في كلمتين لهما معنى كبير ومؤثر هما "كلنا أخوة"، ولقد وضعتها بهذا المعنى لتجعلهما ذات ارتباط إنساني، ولم تشأ أن تقول "كلنا مواطنين" لتجعل لها بعدا قانونيا مدنيا فقط؛ فالأخوة الإنسانية هي القيمة التي لها جذورها في التاريخ الإنساني الذي حفل برسالات سماوية تؤكد على هذا المعنى، وتحرم الإساءة إلى الإنسان وإهدار كرامته.

"كلنا أخوة" تلخص جوهر الإنسانية التي ظلت طريقها، وتحاول أن تبعد الدين من أن يكون سببا الاختلاف، وعاملا للهدم، تحاول أن تقوم بذلك مع الأطفال الذين لا يزالون على الفطرة، قابلين لتعلم قيمة التسامح أو التعصب في عالم الكبار ليس من خلال المضامين فقط، ولكن من ضمن الممارسات التي يشاهدونها أمامهم في كل مكان، وبالتالي يصبح الجميع وفي مقدمتهم المؤسسات التربوية مسؤولين عن إيصال "كلنا أخوة" إلى جميع أطفال العالم ومختلف اللغات، وهو الهدف الذي تناضل الكاتبة من أجل تحقيقه، وأعرف العناء المادي والفني الذي تكابده لتصل هذه الرسالة العمانية إلى أطفال العالم وشعوبه؛ حيث نجحت حتى الآن في إيصالها إلى الناطقين باللغة البرتغالية حين دشنت الطبعة البرتغالية منها في البرازيل في نوفمبر من العام 2014م؛ حيث أشاد بها بعض حكام الولايات البرازيلية الذين شاركوا في التدشين، وقد أعدت النسختين الإنجليزية والإسبانية منها، ولكنها فشلت في إيجاد شركاء وطنيين رسميين أو غير رسميين في إطلاقهما.

... إنَّ عرض القصة في المؤتمرين المذكورين في الأعلى ساعد على إيجاد شركاء دوليين، ليس فقط لنشر هاتين النسختين فقط ولكن على ترجمة ونشر المجموعة بما فيها هذه القصة بلغات أخرى كالفرنسية واليونانية...وغيرها من اللغات؛ حيث وجد هؤلاء الخبراء في مضمون القصة أداة مهمة لتعليم قيم المواطنة من أجل العيش معا بسلام، وفي مقدِّمة هؤلاء البروفيسور الكندي باتريس برودير مدير البحوث ببرنامج مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بالنرويج، ومؤسسة تنوير الجزائرية التي يرأسها الدكتور عبدالله صحراوي، ومؤسسة أديان التي أبدت اهتماما بالقصة وطلبت الاستفادة منها في النشاط الكبير الذي تقوم به من أجل تعزيز التربية من أجل المواطنة الحاضنة للتنوع والمحفزة للعيش معاً بسلام.

وفي الوقت الذي تتنقل فيه مجموعة "أحب وطني" بصفة عامة، وقصة "كلنا أخوة" كجواز سفر عماني للتسامح الإنساني، يطرح الجميع سؤالاً لا أجد إجابة له حتى الآن، وهو: هل تدرس هذه المجموعة وهذه القصة التي تستقطب اهتماما متناميا من قبل الخبراء المتخصصين في التربية من أجل المواطنة الحاضنة للتنوع الثقافي عبر العالم للطلاب العمانيين؟ حقيقة سؤال باغتني به كثير من هؤلاء الخبراء، وكنت أتردد كثيرا في الإجابة التي قد تثير الاستغراب لدى كثير منهم، ولكن لا مناص من الإجابة بالنفي، فهي حتى الآن ليست مدرجة من ضمن القصص المقرَّرة للقراءة في المدارس العمانية، على الرغم من أنها نابعة من البيئة العمانية، ومعدَّة بشكل تربوي أشاد به كثير من التربويين العرب، ومصممة ومخرجة بدرجة عالية من المواصفات، كما أنَّ المجموعة غير مدرجة ضمن فعاليات معرض التسامح الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، على الرغم من أنها اليوم إحدى الأدوات لتوصيل رسالة هذا المعرض؛ فالفيلم المرئي الذي وضع لها في اليوتيوب حقق 122000 مشاهدة، وحفز كثير من النقاشات على مستوى المنطقة العربية من أجل الاهتمام بهذه الرسالة وتجنيب الأطفال رسائل التعصب والعنف التي تأتيهم من كل مكان.

... الأعمال المهمة والمؤثرة هي التي يكون لها اهتمام كبير، وتأثير واسع في إعادة بناء الإنسان، و"كلنا أخوة" ليست مجرد قصة إنما هي مشروع تقوده كاتبة عمانية، ترغب من خلاله في أن يكون لصوت عمان المتسامح صدى بلغات العالم المختلفة، ولا أستغرب عدم الاهتمام الوطني بهذا المشروع الذي تقوم به الكاتبة بجهدها الفردي على الرغم من الدعم الكبير الذي تحظى به مبادرات تقوم بها مؤسسات لديها الإمكانيات الكافية لتحقيق ذلك، ولكن ما سيزيد استغرابي والجميع لو جاء اليوم الذي يمارس فيه تعسف وتضيق على الكاتبة بطابع رسمي، فلا أعرف أية رسالة سوف نبعث بها للعالم عن افتخارنا بمدَّعينا الذين يحققون كل هذا النجاح للبلد في الخارج، وينجحون في إيصال رسالتها للعيش بسلام بطريقة مبدعة للعالم.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك