فيصل الكندي: نزوى تتبوأ مكانة علمية وثقافية وروحية متجذرة في عمق كل عماني

"بيضة الإسلام" كانت مقصد العلماء ومحراب الأتقياء وبلسم المثقفين ومنارة الأدباء والشعراء

عمان أنجبت مجموعة من العلماء الذين أثروا المعرفة بنتاجاتهم الفكرية

الرؤية- مالك بن أحمد الهدابي

اعتبر الباحث فيصل بن زاهر الكندي أن الاحتفال باختيار نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية، فرصة مواتية لإظهار رصيدنا الثقافي، وتبيان مكانة نزوى وأهل عمان علميًا وثقافيًا عبر الزمن.

وقال: لقد أثبتت نزوى مكانتها منذ القدم وقامت ومنذ بزوغ فجر الإسلام بدور يغبطها الجميع له فقد كانت قبلة العلماء ومركز الإمامة وعاصمة عمان واستحقت مسمى بيضة الإسلام وكان لابد من الحفاظ على هذه الإنجازات وهذه المكتسبات من قبل أبناء عمان من الجيل الجديد الذي يشهد ثورة علمية وسهولة الحصول على المعلومة بطريقة لم يسبق لها مثيل في اﻷزمنة الغابرة.

وأضاف: نزوى مازالت تتصدر تلك اﻷنوار الثقافية والإسلامية بجهد علمائها وأبنائها المخلصين الذين هم ماضون على خطى اﻷجداد وعلى هدي القرآن الكريم والسنة النبوية، ومتمسكين بالعادات والتقاليد العمانية اﻷصيلة.

وقال الكندي إنّ تعريف الثقافة لغة من ثقاف الرماح أداة من حديد أو خشب تقوم بها الرماح وتسوى، وثقف صاحبه غلبه في القدرة والمهارة وثقف صفة مشبهة تدل على الثبوت، ثقف الشخص صار حاذقا فطنا. وأضاف شارحا: فالثقافة هي مجموعة معلومات واعتقادات راسخة تقوم بها شخصية الفرد وتحرك مشاعره وتتحكم في تحركاته وسكناته كمثل الثقاف التي تقوم بها الرماح وتسوى وهي تدل على الغلبة في القدرة والمهارة والثبوت والحذاقة والفطانة فمجرد حفظ الشخص للمعلومات لا يعتبر ثقافة إن لم تقم بها شخصيته وتحرك مشاعره وتتحكم في حركاته وسكناته ولا يعتبر الشخص مثقفا ما لم تكن لديه الغلبة والقدرة والمهارة والثبوت والحذاقة والفطانة في باب ما من أبواب الثقافة وإلا ستبقى مجموعة معلومات تختزن في الرأس.

فرق بين القارئ والمثقف

ومضى الكندي قائلاً:هناك فرق بين القارئ والمثقف إذ ليس كل قارئ مثقف فالشخص لا يعتبر مثقفا لمجرد أنه يطالع الصحف ويقرأ الكتب ويقلب القنوات ودخل المدارس والجامعات وحصل على أرقى الشهادات، فالثقافة مركز مرموق لا يصله إلا القليلون الذين يؤمنون بها وتترسخ في وجدانهم وتكون مصدر أقوالهم وأفعالهم طبقا لما يؤمنون به من ثقافات مستوحاة من العقيدة الراسخة والعادات الأصيلة والأخلاق الحميدة.

واستطرد الكندي:عرفت عمان منذ وصول الإسلام إليها ودخولها فيه دون حرب ولا مقاومة بالتمسك بالدين والدفاع عنه ونصرة المظلومين، ولنزوى مكانة علمية ثقافية واستراتيجية وروحية متجذرة في عمق كل عماني فدورها التأريخي وإنتاجها الثقافي في تلك الحقبة منذ بزوغ فجر الإسلام كان مؤهلاً لها أن تكون في الريادة لما قدمته من موروث علمي ثقافي ودواوين في شتى العلوم حيث أنجبت العلماء والأئمة الذين قادوا عمان ودافعوا عن الإسلام ونشروا أساطيلهم البحرية في خدمة الإسلام والمسلمين حتى أصبحت نزوى عاصمة عمان في فترة من الفترات ومقصد العلماء ومحراب الأتقياء وبلسم المثقفين ومنارة الأدباء والشعراء.

أعلام عمانيون

وتابع:أنجبت عمان مجموعة لا يستهان بها من العلماء والأدباء والشعراء الذين أثروا حياتنا، وأفادت آثارهم العلمية والأدبية العقول، وزينت مجلداتهم وكتبهم ومخطوطاتهم المكتبات وصرنا نفتخر بإنتاجهم الثقافي، ومن الأسماء الذهبية التي تركت لنا موسوعة من العلوم والثقافات والأدب والفكر الإسلامي الراقي،الشيخ اللزامي القرياتي الذي جاوز 85 عاما ولا يرى إلا منكبا على الكتب وإن جالسه أحد طلب منه قراءة الكتاب ويضرب لنا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي أروع الأمثلة في القراءة وطلب العلم فبينما هو عائد من زنجبار قرأ على متن السفينة كتاب طلعة الشمس، والعلامة الراحل سعيد بن حمد الحارثي لما كان في عمر 12 عامًا دخل مسجدًا فوجد كتابا فقرأه كاملا أما الشيخ القنوبي فقد كان على السلم في مكتبته العملاقة التي تزن ثلاث شاحنات يبحث عن كتاب فوجد كتابا قديماً فبات يقرأه على السلم حتى أذن الفجر، أما الإمام الخليلي فقد جلس يقرأ بعد صلاة العشاء إلى أذان الفجر ولم يشعر بمرور الوقت وقرأ كتاب شرح النيل الذي يقع في 17 جزءًا خمس مرات والشيخ المربي حمود الصوافي لا يرى إلا وبجانبه طالب يقرأ له كتاباً فإن تعب قرأ له الثاني وأما الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي فقد أرسل بأموال إلى المشرق فجيء له بعشرة أحمال كتباً فقرأها وكان يحفظ جميع مسائلها ولما أصيب الشيخ أبي سرور بالجلطة دخل عليه زوار فوجدوه على عتبة الباب وبجنبه كتاب.

وتابع الكندي: وفي جانب التأليف نجد أن العلامة الشيخ جميل بن خميس السعدي كتب كتاب قاموس الشريعة في 92 جزءا ونسخه 3 مرات حتى كفت كفه وأما الشيخ العلامة محمد بن شامس البطاشي فقد نظم الإسلام في 124 ألف بيت سماه سلاسل الذهب يقع في 10 أجزاء ونسخه ثلاث مرات حتى أصيب بالنزول ولباب الآثار الذي يقع في 14 جزءا للشيخ مهنا بن خلفان ومكنون الخزائن وعدد أجزائه 14 جزءا للشيخ موسى بن عيسى البشري والمصنف الذي يقع في 42 جزءا للشيخ أحمد بن عبدالله الكندي ومنهج الطالبين الذي يقع في 20 جزءا للشيخ خميس بن سعيد الشقصي وبيان الشرع الذي يقع في 71 جزءا للشيخ محمد بن ابراهيم الكندي والضياء للشيخ سلمة بن مسلم العوتبي ويقع في 10 أجزاء ومعارج الآمال للشيخ نور الدين السالمي ويقع في 18 جزءا وجواهر الآثار الذي يقع في جزئين للشيخ ابن عبيدان وشرح النيل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ويقع في 14 جزءا وغيرها كثير ومنها ما فقد وأحرق كديوان الامام جابر بن زيد وكتاب الكفاية للشيخ محمد بن موسى الكندي ويقع في 51 جزءا يوجد منه جزء واحد فقط وكتاب الخزانة للشيخ بشير محمد بن محبوب ويقع في 70 جزءا.

واستطرد: وفي مقدمة العلماء المعاصرين الشيخ العلامة المجتهد بدر الدين وامام المفسرين سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي عالم مجتهد وداعية ومفكر ومجدد ومصلح كبير يشهد له القاصي والداني بلغ الذروة في الخلق والمعاملة من مؤلفاته جواهر التفسير أنوار من بيان التنزيل والحق الدامغ وسقط القناع والحقيقة والدامغة و الاستبداد مظاهره ومواجهته وكذلك إمام العلم والعمل الشيخ الرضي حمود بن حميد الصوافي الذي فقد بصره في صباه فعوضه الله ببصيرة فاق بها أقرانه وحفظ القرآن رغم فقده لبصره وهو ابن 17 عاما ومن جالسه شعر بتواضعه ومن مقالاته التي تدفع الهمم قوله :" ينبغي للمسلم أن يكون متفائلا دائما، وأن تكون نظرته للأمور واسعة متفائلة، وألا يسمح لليأس أن يتسلل إلى روعه مهما كانت الظروف " وكذلك الشيخ الدكتور ابراهيم بن أحمد الكندي الذي فقد بصره وهو لم يتحاوز سن الثالثة من عمره لكنه وبعناية من والديه حفظ القرآن الكريم وهو ابن 10 سنين حصل على الدكتوراه عام 1988 وللشيخ بصمة في الحياة وله أكثر من 4 آلاف حلقة دعوية وتربوية ومن مؤلفاته الاستثناء عند اﻷصوليين والقياس الشرعي بين الاثبات والانكار والاسلام دين العدالة والسماحة والرحمة وغيرها.

توثيق الموروث الثقافي

وقال الكندي إن الاحتفال بنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية مناسبة كبرى ويجب أن يتم استغلالها في الاهتمام بالثقافة الإسلامية العمانية العريقة من خلال انشاء مراكز اسلامية ثقافية لنشر وتعليم الثقافة الإسلامية العمانية العريقة المستمدة من الاسلام الحنيف وموروثنا الثقافي وعاداتنا وتقاليدنا والاستفادة منها في حياتنا العلمية والاجتماعية والسياسية واظهارها للآخرين.

وأضاف: كما يجب مراجعة التأريخ العماني القديم وتحليله وإخراجه إخراجا عصريا للاستفادة منه من خلال طبع المزيد من الكتب التأريخية واقرارها كمناهج في المدارس والجامعات وإعداد برامج تعليمية ثقافية في القنوات واستغلال الصفحات الاجتماعية لنشر ثقافتنا الإسلامية العريقة بأسلوب علمي أدبي وموثق بالصور والخرائط والجداول.

ومضى قائلا: وأقترح كذلك إصدار مجلة إسلامية ثقافية تهتم بالثقافة الإسلامية العمانية في الماضي والحاضر تحوي الإنتاج الثقافي الذي نفتخر به وبإنتاجنا الثقافي الذي نقدمه بحيث تكون همزة وصل بين كل العلماء والأدباء والمثقفين في عمان يتم بها تبادل العلوم والثقافات ونظهر للعالم الرصيد الثقافي والأدبي والعلمي الذي تزخر به بلادنا عمان.

وقال إنه وللحفاظ على هذا الموروث الثقافي ومواصلة الإنتاج العلمي والثقافي لابد لنا أن نشجع كل فرد على هذه الأرض الطيبة على القراءة والكتابة فهما مصدرا الثقافة والعلوم وعدم الاكتفاء بالموروث الذي عندنا وأن يتم ذلك من خلال اعداد المحاضرات واللقاءات مع الشباب في المساجد و المدارس والجامعات والنوادي لصقل المواهب ورفع شأن المثقفين وتسهيل الطريق لهم وذلك باعداد دورات مجانية لهم في المجال الثقافي وتطوير الذات وطرق تحسين سرعة القراءة والحفظ.

واختتم قائلا:علينا أن نتمسك بموروثنا الثقافي والـتأريخي وألا نسمح لأحد أن يمسها بسؤ فهذا هدر للبناء الذي شيده آبائنا وأجدادنا الذين أرهقوا انفسهم وأهلكوها في سبيل توصيلها الينا فمن حقهم علينا أن نتمسك بتلك الموروثات وأن نجعلها نصب أعيننا وأن نبني بها حاضرنا وأن نعد لمستقبل أبنائنا موروثا ثقافيا قويا يعتمدون به في بناء حاضرهم والاستعداد لمستقبل مليء بالتحديات وكما قيل من ليس له ماض له ليس حاضر ومن ليس له حاضر ليس له مستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك