الحرب على اليمن.. وجهة نظر إسرائيلية

زاهر المحروقي

حظيت الحرب على اليمن باهتمام المراقبين الإسرائيليين، الذين قاموا بتحليل ما يجري هناك، في ظلِّ غياب أيِّ تعليق رسمي، إلا أنّ العنوان البارز في كلِّ ذلك الاهتمام، هو "تمنيات للسعوديين بالنجاح"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ويبدو أنّ الاهتمام الإسرائيلي بالحرب على اليمن له ما يبرره، فالحربُ تخدم الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، بأن يُطلق العرب الرصاص ضد بعضهم نيابة عنها، دون أن تُطلق هي رصاصة واحدة، ودون أن تدخل في حرب رسمية معلنة.

الواضح في الاهتمام الإسرائيلي هو إجماع المراقبين على أنّ التطورات الأخيرة التي شهدها اليمن وتعاظم قوة أنصار الله؛ مثلتا موضع قلق كبير لإسرائيل، إذ يقول أيهود يعري محلل الشؤون العربية في القناة الثانية الإسرائيلية إنّ "على إسرائيل أن تكون أول القلقين من الأحداث في اليمن، فحركة أنصار الله تُعتبر نسخة يمنية من حزب الله"، فإسرائيلُ التي حاولت جاهدة وضع كلّ ما يحصل في سياق الصراع مع إيران؛ ترى أنّ ما يحدث في اليمن يقوي النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب، فتخشى إسرائيل من تأثير ذلك على حركة السفن الإسرائيلية أثناء عبورها المضيق، لذا فـ "إيهود يعري" يرى أنّه "إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ستتحول اليمن إلى دولة موالية لإيران عبر الحوثيين"ويرى أنّ هناك تشابهاً بين توجهات حزب الله مع أنصار الله اليمنية عندما قال "يجب الانتباه إلى أنّ الحوثيين هم مثل حزب الله في لبنان، حيث يهتفون في تجمعاتهم الشعبية طيلة الوقت: الموت لإسرائيل".

أما المصلحة الإسرائيلية من الحرب على اليمن فهي واضحة، فحسب رأي صحيفة "يديعوت أحرونوت"؛ فإنّ مسارات تهريب السلاح من إيران إلى غزة تمر عبر باب المندب وعبر اليمن، وبما أنّ السودان عضو في التحالف الذي أنشأته السعودية، فإنّ "التهديد الذي تواجهه إسرائيل من تهريب الأسلحة قد خفّت وتيرته"، أما أليكس فيشمان المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" فيرى أنّ الحرب التي تشنها السعودية ضد اليمن، تخدم مصالح إسرائيل، وتشكل فرصة ثمينة لجني ثمار إستراتيجية حيوية للأمن الاسرائيلي، فتحت عنوان "ساعة اليمن تدق" عدد 27/3/2015، قال فيشمان، إنّ اسرائيل تجد نفسها من جديد في نفس الجانب من المتراس، مع الدول المعتدلة كالسعودية، لأنّ سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة الذي يعتبر الميناء الأهم لليمن على البحر الأحمر، مكنهم من التحكم بخط الملاحة البحرية، وأثّر على مستوى التأهب والحراسة للسفن الإسرائيلية التي تجتاز مضيق باب المندب؛ وبحسب فيشمان، فإنّ سيطرة الحوثيين على صنعاء وتمدد نفوذهم إلى المحافظات الأخرى، يعني من وجهة النظر الإسرائيلية، انهيار النظام الذي يعتمد على السعودية والولايات المتحدة، وإقامة نظام جديد يعتمد على إيران، العدو اللدود لإسرائيل، ولذلك ليس من مصلحة إسرائيل أن تسيطر إيران على مضيق باب المندب، وأشار فيشمان إلى أنّ إسرائيل لن تلعب أيّ دور في الحرب، وستكتفي بمتابعة ما يحدث، "متمنية أن تحقق السعودية نصراً سريعاً وحاسماً، يعيد الوضع إلى سابق عهده، ويطرد الإيرانيين من البحر الأحمر".

ولعلنا نستطيع أن نعرف الأهداف التي حققتها الحرب على اليمن عندما نضع كلام فيشمان مكانه الصحيح، إذ اعتبر أنّ احتمال سيطرة الحوثيين على اليمن، يعني بالنسبة لإسرائيل، الخوف من احتمال قيام إيران بنصب صواريخ بحر - بحر على السواحل اليمنية، ستشكل تهديداً لأحد الممرات البحرية الحيوية جداً لإسرائيل من جهة الشرق، وأنّ سقوط اليمن في أيدي إيران، سيعزز المحور الراديكالي الذي يهدد إسرائيل؛ لأنّ اليمن سيشكل نقطة انطلاق أفضل لتهريب السلاح من إيران إلى جهات في سيناء وقطاع غزة.

لقد تركزت معظم التعليقات الإسرائيلية على الحرب على اليمن من منطلق طائفي مذهبي، وجعلت من الحرب حرباً سنية-شيعية، لأنّ مخططي السياسة الإسرائيلية يعلمون جيداً أنّ ذلك له تأثيره القويّ على العقليات العربية، وليقينهم أنّ ذلك يساعد على تفتيت ما تبقى من العرب؛ فإسرائيل حريصة على إيقاظ كلِّ ما من شأنه إشاعة مزيد من أجواء التوتر والتصعيد بين مكونات دول المنطقة، والعربُ في الأصل تربة خصبة لتقبل أيّ شيء يأتيهم من الخارج، فيكفي أن تصيغ وسيلة إعلامية شكل الحرب القادمة؛ فإذا الوسائل العربية تتلقفه وتتبناه، من هنا فإنّ الكثير من الكتاب والمحللين الإسرائيليين يرون أنه يجب أن يكون التمدد الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، مقدمة لـ "تبددها" دون أن يكلف الإسرائيليون أنفسهم عناء إطلاق رصاصة واحدة، وفي الوقت ذاته يسعون لأن تتورط الدول العربية في مستنقع حروب داخلية، تبدأ ولا تنتهي في قادم الأيام، كي يتسنى في النهاية فرض الوصاية الإسرائيلية على المنطقة، وتعيد من جديد طرح شعارها القديم الجديد بأنها "واحة الأمان في غابة الخوف العربية".

لقد أعادت الحرب السعودية على اليمن إلى السطح موضوع الحرب اليمنية عام 1962، وربما يكون هناك تشابه كبير بين الحربين، وتأثير موقع اليمن على إسرائيل، حيث تحدثت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، عن دور إسرائيل العسكري واللوجستي في الحرب الأهلية اليمنية عام 1962، إلى جانب أصدقاء السعودية والأردن من الملكيين اليمنيين ضد ثوار اليمن والقوات المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وذكرت الصحيفة أن ما قامت به تل أبيب تجاه اليمن وعبد الناصر، "ساهم بشكل مؤثر في الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967، بعد أن أنهك الجيش المصري في اليمن".

ونشرت "هاآرتس" تقريراً مطولاً تحت عنوان: "عدو عدوي صديقي"، عن التدخل الإسرائيلي فيما سمته حرب اليمن الأولى، ما بين عامي 1962 و1967، حيث استندت إلى المعلومات التي تضمنها الأرشيف الإسرائيلي، الذي سمح بنشر مواد منه قبل سنوات، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن التدخل الإسرائيلي في اليمن، رغم كتمان الأمر لما يزيد على نصف قرن.

ووفقاً للصحيفة فقد جاء التدخل العسكري الإسرائيلي بناء على طلب بريطاني خاص، بعد أن أخذت موافقة بعض دول المنطقة، التي وقفت في حينه في وجه الوجود العسكري المصري، في إشارة منها إلى السعودية والأردن، لافتة إلى أن إسرائيل استجابت فوراً للطلب البريطاني، لأنها كانت تخشى أن يتسبب تدخل مصر في اليمن بتوحيد العرب ضدها بقيادة مصرية.

وأوضحت "هاآرتس" أنّ الأرشيف الإسرائيلي يشير إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي كاد يتدخل مباشرة في الحرب اليمنية ويشن هجمات جوية ضد القوات المصرية؛ إلّا أنّ السجالات وتقييم الوضع في تل أبيب منعا ذلك؛ وخلصت الصحيفة إلى أنّ حرب اليمن عام 2015 شبيهةٌ بحرب اليمن في الستينيات، وخاصة فيما يتعلق بتعقيداتها، وقالت: "إنّ حرب اليمن ليست إلّا تعبيراً عن طبيعة القوى المعقدة في الشرق الأوسط، وتعبيراً عن تبدل المصالح والتعقيدات القائمة في المنطقة".

إنّ قدر اليمن أن يكون ساحة لقتال الآخرين على أرضه، فإسرائيلُ مبتهجة وتفرك يديها الآن فرحاً، ولا تُخفي ابتهاجها، وهي ترى أنّ العرب يدخلون مرحلة استنزاف غير مسبوقة منذ عقود، ويحق لها أن تفرح وهي ترى كيف أثمرت جهودها في إشعال حرب سنية - شيعية، حتى وصل الأمر إلى أن يتحول "الكره" إلى الشعوب العربية نفسها، والتي ظلت لسنوات، بعيدةً عن الخلافات السياسية بين الدول، وتستطيع أن تعرف موقف أيِّ أحد من الحرب من خلال انتمائه المذهبي -وهي كارثة-، ويحق لإسرائيل أن تفرح أيضاً لأنّ هناك توافقاً في الأهداف مع بعض الدول العربية ضد عدو مشترك، هو إيران، ثم الأجمل من كلِّ ذلك، هناك من ينفذ لها مخططاتها بالوكالة، دون أن تُطلق هي رصاصة واحدة.

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك