الوافدون إلى أرض السلام

مدرين المكتوميَّة

حين نعيش على أرض السلام، يجب أن نتحلَّى بكلِّ صفات السلام الداخلي، وحين نناشد بحقوق الإنسان، علينا أن نُدرك مفهوم "حقوق الإنسان" -أو ما يسمى (Human rights)- كلمتان تعبران عن الكثير مما يختلج ذواتنا تجاه أنفسنا؛ أولا إن سلب أحدهم حقنا، ونُدركها حينما نرى غيرنا يُعاني.. فهل كلمة حقوق الإنسان مجرَّد شعارات نرددها في حياتنا، أم أننا فعلا نطبقها، خاصة وأنَّ الكل يُنادي بها، والمنظمات وُجدت لتحقيق أهدافها وعدم تجاوز خطوطها؟!

ولكن لو جئنا للواقع الذي نعيشه؛ لنرى هل فعلا ولَّى زمن العبيد والاستعباد وانتهى، أم أنه لا يزال باقيا؟ سندرك في الحقيقة أنه حين تخرج تحت أشعة الشمس الحارقة في الساعة الثانية عشرة ظهرا، وتشعر بحرارة تخنقك، وأن ضغط الشمس يقهرك، وتتضجر من الأمر، فإن هذا يعني أنك تعيش في وَضْع لا يُطاق، وقد تكون مرة في الأسبوع أو مرتين، ولكن حين ترى عاملَ نظافة أو عاملَ بناء، تجبره الشركة على العمل في وقت النهار من الساعة الخامسة صباحا، وحتى الثانية عشرة ظهرا، حينها ندرك أنه ليس خيارًا ولكنه قدر، لأن الحاجة أجبرته على ذلك.

هنا.. نقفُ عند معاناة الكثير من العمالة الوافدة التي تعمل لأجلنا تحت حرارة الشمس، وتتحوَّل بشرتهم الفاتحة إلى داكنة، وتكثر الشقوق الدقيقة بوجوههم، ودمعة متلألئة استوطنت أعينهم، حينها نُدرك حجمَ المعاناة؛ حيث يندُر وُجود مُواطن عُماني يتحمَّل الشمس الهالكة في الصيف، فما بالنا بهؤلاء! أليسوا بشرا؟! فالألم البسيط الذي قد يُوجعنا ونحن نمرُّ بسياراتنا المكيفة ونرى أحدهم ينام تحت شجرة أو على رصيف بانتظار استكمال العمل، أو يمشي أحدهم لمسافات ليجمع المخلفات والشمس تحرقه وهو يبتسم للمارة من حوله، حينها نتمنى أن يكون هناك سلام ورحمة في دواخلنا تجاه هؤلاء البشر قبل أي دين ومُعتقد. إذ من المؤلم فعلا حين تسأل أحدهم عن مدى ارتياحه للعمل، تكون إجابته: "أنا سعيد بهذا العمل، رغم حرارة الشمس، فأنا أكسب لقمة عيشي بالحلال"... لكلِّ من يملك وافدا يعمل تحت الشمس ويحترق جلده، لا تستعبدوهم.. فقد جئتم بهم لأجل أن يُساعدوكم بالكسب الحلال دون أذى أو مساس بهم.

وأي محاولة لتتبع العمالة الوافدة ومواعيد عملها، تكشف عن حقائق صادمة، كما أنَّ هناك عمالة سائبة تمارس تنظيف السيارات وتدفع للكفيل مبلغًا شهريًّا، ولكنها تكسب كثيرا، في حين هناك من يعمل في البناء وتنظيف الشوارع ومحطات الوقود، ولكنهم لا يكسبون إلا القليل، ويعملون ليل نهار تحت وطأة الشمس الحارقة، ويبتسمون أيضا.. حين كنا نتجوَّل كنا نكتشف طبائعهم البشرية؛ فمن يتحمل مكابدة الحر والتعب تجده كريما لدرجة أنَّ الماء الذي بيده قد يُقدمه لك، في حين العكس من العاملة السائبة.

وأكثر ما يُؤثر في النفس أن نجد عمالًا وافدين يملكون أسرًا كبيرة، ويحترقون لأجل أبنائهم تحت الشمس، ويبعثون بصور جميلة لأسرهم ليقولوا بأنهم يعملون وهم سعداء، يبتسمون وابتسامتهم تحمل الرضا، إلا أنَّ الألم واضح في أعينهم، هناك من كان سعيدا بعمله، والآخر كان فخورا بأنه يكسب بالحلال...وغيرهم من يفر هاربا خوفا من الشرطة.

تعليق عبر الفيس بوك