نعم لتبسيط المعاملات

حمود بن علي الطوقي

ما تزال البيروقراطية والإجراءات الإدارية المعقدة التي تنتهجها بعض المؤسسات الحكومية تشغل بال كثير من المواطنين منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويتجدد ذلك الشاغل الآن ويتم تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي..

لقد أدت تلك التعقيدات الإدارية وعدم تبسيط الإجراءات إلى هروب عدد من الاستثمارات الأجنبية ورأس المال الوطني، ولن نبالغ إن قلنا إن تلك البيروقراطية وسلحفائيّة الإجراءات الحكومية هي السبب الأساسي في هروب تلك الاستثمارات بشقيّها - الأجنبي والوطني- إلى دول الجوار؛ علاوة على أنّ هذه الإجراءات والتعقيدات غير مبررة كونها تحد من توسيع قاعدة الاستثمارات التي نحن في أمس الحاجة إليها في ظل أوضاع تقلبات أسعار النفط عالميا، وانتهاج السلطنة مفهوم التنوع الاقتصادي.

ويشاطرني في ذلك الرأي بعض المستثمرين ورجال الأعمال، بل إنّ بعضهم أبدى أسفه في أن تظل هذه الإجراءات المنفرة وغير المبررة السبب الرئيس في فقدان استثمارات حقيقيّة، كان بإمكانها أن ترفد الاقتصاد الوطني بكم غير يسير من الأموال. بالإضافة إلى أن تلك الاستثمارات كان من شأنها أن تساهم في إيجاد مئات الوظائف للعمانيين بمختلف تخصصاتهم، منوهين إلى ضرورة أن نتحوّل إلى نظام المحطة الواحدة التي ينشدها المسؤول قبل المستثمر؛ لاسيما أنّ السلطنة تعد من الدول التي تشجع الاستثمارات الأجنبية بل وتمنح المستثمر امتيازات أفضل بكثير من دول الجوار الإقليمي، كما قامت بإنشاء هيئة مستقلة للترويج للاستثمارات، وفوق ذلك هناك وفود عمانية تمثل القطاع الحكومي والخاص قامت بسلسلة من الزيارات الرسمية بهدف التعريف بمناخ السلطنة الاستثماري، والذي يعد مميزا بكل المقاييس من حيث استقرار الأمن، والموقع الاستراتيجي للسلطنة، إضافة إلى مناخات ومميزات أخرى لا داعي لذكرها، كما نرى أنّ الهيئة الاقتصادية لمنطقة الدقم هي الأخرى نشطة، وتبحث عن استثمارات عملاقة لتنمية منطقة الدقم.

في معرض الحديث عن معاناة المستثمرين ذكر لي أحد الأصدقاء أنّ مستثمرًا كان يرغب في تأسيس مصنع لتدوير الزيوت ومخلفات الوقود، وظل هذا المستثمر ينتظر الموافقات لأكثر من عامين، ولأن هناك دولا ترحب بمثل هذه المشاريع فقد قام المستثمر بالمغادرة، تاركا التعقيدات والإجراءات العمانية، وقام بإنشاء مصنعه في دولة أخرى في وقت قياسي، والآن يبيع منتجه لعدة دول من بينها السلطنة.

فما دامت الإجراءات معقدة هكذا فلماذا يشنف المسؤولون آذننا دائمًا، ويصرحون في كل وسائل الإعلام أنّ السلطنة بيئة مواتية ومشجعة للاستثمار، مع العلم أنّه ومن خلال متابعتي لاحظت أن هذه التعقيدات والإجراءات المطولة أحيانا يكون سببها الموظف الذي أوكلت إليه مهمة مساعدة هؤلاء المستثمرين، ولكن ما يحدث على أرض الواقع أنّ هذا الموظف يفرض سيطرته ويتلذذ وهو يرى المستثمر يتردد على مكتبه متابعًا معاملته التي تظل حبيسة الأدراج لأشهر عدة حتى يمل المستثمر ويرفع راية الاستسلام باحثا عن ضالته في بلد آخر.

ولا يعني ذلك أنني أوجه اللوم إلى الجميع بل هناك من يعملون بإخلاص، ويساهمون في تبسيط الإجراءات، وما نراه الآن من مشاريع عملاقة كان سببه تبسيط هذه الإجراءات.

هناك حاجة إلى تدوير الوظائف خاصة في تلك المؤسسات التي لها علاقة بالاستثمار أو منح التراخيص، ويجب عليها أن تنتقي الموظف المناسب بحيث يكون ملمًا بالقوانين والتشريعات المنظمة للاستثمارات في السلطنة، ويتطلب ذلك تهيئة وتأهيل هذا الموظف عبر دورات تدريبية بحيث يكون أهلا لهذه الوظيفة وسفيرا حسنا للسلطنة أمام المستثمر الأجنب، وعندها أجزم أنّ هناك عددا من الأمور ستتحول إلى الأفضل، وسنرى السلطنة وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية؛ لأننا نمتلك كل المقوّمات المحفّزة.. فقط نحتاج إلى تبسيط الإجراءات وأن تكون النوايا صادقة، ووقتها سيتزاحم المُستثمرون على أبواب السلطنة.

تعليق عبر الفيس بوك