من قنص معاوية؟!

د. سعيدة بنت خاطر الفارسية

أصبحنا طاردًا ومطرودًا، وقانصًا ومقنوصًا منذ خطيئة الطرد الأولى للبشرية، حيث طرد آدم إلى الأرض كعقوبة وفقد فردوسه الأعلى ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو) آية (123) سورة طه، ومنذ ذلك الطرد والإنسان يسعى لتأسيس فردوسه البديل المتخيل على هذه الأرض، بعد أن عزّت عليه سبل العودة إلى الفردوس السماوي؛ طبعا هذه ناحية فلسفية كبرى ستهيج علينا أوصياء الحكمة الدينية، وموضوعنا أصلا معقد... المهم أنّ المطاردة استمرت لمن يتبرم من أبناء آدم، ويبدو أنّ معاوية هو أحد هذه الطرائد التي كتب عليها أن تنطلق انطلاق الأيائل البرية حتى وقع في شرك شهوة المطاردة، ونتيجة لضجيج معاوية، أصبح كلنا يعرفه أنه معاوية الرواحي شاب عماني طموح، جميل العقل والذهنية والوجه والروح، وإن اختفت تلك الروح عن الوضوح لكثيرين، طمح معاوية بالتغيير الفوري والسريع دون أن يعي أنّ متغيرات الحياة لاتماثل سرعة الفيديو الذي يصوره ويرسله للعالم بضغطة زر، ولا يماثل تغريداته المنسابة بلا رابط سوى نبرة الانتشاء بالنصر على قوة المجتمع الضاغطة الخفية المتمثلة في العادات والأعراف والتقاليد، كان الظلام يمعن في التخفي وحياكة شباك اقتناصه، فوقع معاوية في شبكة القانص خارج الحدود العمانية، وتجلتْ لنا غرائبية الأمور فيما يلي:

1 - الجمعية العمانية للكتاب والأدباء:

بصفة معاوية أحد أعضائها فهو كاتب وأديب عماني، لكن موقف الجمعية جاء متأخرا بعد أن ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتساؤلات والضغط على إدارتها لتفعل شيئا حتى لو بيان رفض حتى لو سؤال حتى لو عطسة احتجاج، المهم جاء البيان...

أصدرت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بياناً حول قضية اعتقال المدوّن معاوية الرواحي، قالت فيه (تابعتْ الجمعية العُمانية للكتِاب والأدباء موضوع اعتقال الكاتب منذ يوم احتجازه من قبل السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة، بتاريخ ٢٣ فبراير الماضي، وقد عملت الجمعية على تشكيل لجنة لمتابعة القضية لدى الجهات المعنية في السلطنة) آه تشكيل لجنة... والشاعر العربي المعاصر قالها ذات يوم إذا أردت قتل موضوع ما، في وطننا العربي فشكل له لجنة، وقد تمّ قتل الموضوع لله الحمد والمنة بسلام.

وذكرتْ الجمعية أنها تواصلتْ مع وزارة الخارجية بالسلطنة، وسفارة السلطنة في أبوظبي، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وطالبتْ الجمعية من هذه الجهات (ضرورة التحرك السريع، لأجل معرفة وضع الكاتب معاوية الرواحي، وضرورة التواصل مع السلطات المعنية في دولة الإمارات، بغيّة معاملته المعاملة الإنسانية، وفق المواثيق الدولية والشرعة الإنسانية) الحقيقة شكرا.. ارتاحتْ ضمائرنا جميعا نحن أعضاء الجمعية، فقد عملت جمعيتنا ماعليها وزيادة؛ بل إنها تابعتْ الجهات المطلوب منها العمل والجري، ماشاء الله ولماذا لم تتحرك هي نفسها!!! أعتقد أنّ نقش الحناء على يديها لم يجف بعد، شكرا جمعيتنا هكذا برأت ذمتك، خاصة وأن ما طلبتيه هو مطلب يسير جدا، إذ المطلوب فقط الاطمئنان على أنّ معاوية يعامل معاملة إنسانية.. ياله من مطلب بخس، والآن وقد طالتْ المدة على غياب معاوية بلا خبر يحمل أية دلالات بأنّ الشاب موجود أو مفقود لدى الإخوة الأشقاء.. ماذا ستقول جمعيتنا؟! فقابيل لم يستشر هابيل عندما أرداه قتيلا، ولم يسأل الغراب عن كيفية التخلص من الجثة، لكن ماذا نريد أكثر.. لقد صعَّدت الجمعية الأمر، وطالبتْ (الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب بالتدخل السريع في القضية، لأجل إطلاق سراح الكاتب العُماني معاوية الرواحي) هل نقهقه عاليا أم نلطم، والجمعية تعرف أن اتحاد الكتاب مجرد جعجعة ليس لها طحن، وأن آخر من نلجأ إليه سياسيا هو مجلس الأمن، وآخر من نلجأ إليه ثقافيا هو اتحاد الكتاب العرب، ليس لأجل الفعل بل لتعجيل دفن أي موضوع فيه رمق أخير من الحياة، جمعيتنا المتفائلة جزاك الله خيرا ارتحت وأرحت.

2- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان:

تعد هذه اللجنة إحدى عجائب عُمان العشر، فإذا كانت جمعية الكتاب تعمل عرضًا بهلوانيًا في الهواء الطلق ليصفق الجمهور؛ فإن اللجنة الوطنية عروضها صامتة طوال العام، بل إن شعارهم الصمت أبلغ لغة لرضا المسؤول العماني، المهم أنّ هذه اللجنة (قد أكدتْ أن الكاتب والمدون العماني معاوية بن سالم الرواحي قد تمّ القبض عليه من قبل السلطات الإماراتية، وذلك بتهمة الإساءة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وحكامها وشعبها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب بيان للجنة على شبكة الإنترنت) والله إنكم لم تقصروا.. جهد مبالغ فيه، وأنتم لم تعتدوا على الحركة، المهم أنّ اللجنة قد أكدتْ أنّ معاوية تم القبض عليه، شكرا لقد عرّفتمونا بما لم نكن نعرف، وكشفتم السر الخطير، علما بأنّ المغردين في وسائل التواصل سبقووووكم بالخبر تقريبا بألف سنة ضوئية فقط.. ثم لأنّ الحركة والفعل يتعب اللجنة تراجعتْ عن قولها السابق، وقالت: إنها لم تحصل على أية معلومات رسمية حول اعتقال الكاتب معاوية الرواحي، الذي يُرجّح أنه معتقل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام. (تصوروا يُرجح وكانت اللجنة (تؤكد) سابقا !!!! ثم إنّ الكلام جاء وفق ماذكرته وسائل الإعلام، يعني اللجنة تتحدث وفق ما جاء عبر وسائل الإعلام وهي أخذت الكلام الإعلامي جاهزًا كما عودتنا حتى لا تتعب.

أقول: لجنتنا استريحي حتى لا تتلقطي الأخبار من هنا وهناك، روحنا بنجيب الخبر لك جاهز وبنوقع عليه باسمك، المهم سلامة أصابعكم، تصدقي يالجنة أنه يوجد عشرات اللجان العالمية لحقوق الإنسان، ويوجد مجلس لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة كان ممكن تصدعوه وتتركوه يتصرف بدلا عنكم على الأقل هؤلاء يتحركون بهمة ولا ينتظرون صياغة بيان من وسائل التواصل..

وذكر رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (أنها بعثت خطابًا لوزارة الخارجية العمانية، ولم تحصل على أي رد يوضح ما ذكر في مواقع التواصل الاجتماعي عن اعتقال الكاتب) يعني اللجنة مازالت متشككة هل أعتقل معاوية أم تبخر!!!) وكما قلتُ لكم إن وسائل التواصل الإلكترونية أكثر حماسا ونشاطا من الناشطين الحقوقيين في لجنتنا الوطنية، لماذا ؟؟ لأنهم ليسوا ناشطين أصلا هم مجرد موظفين رسميين يتحدثون وفقا لما تمليه لهم الجهة الحكومية التابعين لها، آه ماذا نقول هزلتْ أو سمنت!!!

3 - وزارة الخارجية:

هناك ما يثير التساؤلات في قضية معاوية؛ فما هو سر هذا الصمت عن متابعة قضيته؟ لقد ذكر معالي يوسف بن علوي في حديثه مع إذاعة الوصال (أنَّ معاوية تصرف بطريقة يحظرها القانون في دولة الإمارات، ونحترم قرار الدول الأخرى، ونحن نعمل على قضيته ونتابعها) ..

ولنا أن نقول: ألا يحق للمواطن أن يتساءل ما نفع مواطنة لا تحميه!! وما نفع جواز تنتهك حقوق حامليه، ترى لو كان معاوية بريطانيًا أو أمريكيًا هل سيجلس في شبكة قانصيه ربع ساعة؛ أصلا فرائص القناص سترتعد قبل أن تحمله على كتفها معززًا مكرمًا، وتقول له: حللت أهلا ونزلت سهلا ..

ولعلّ آخر الردود المضحكة الذي وردني شخصيًا من دولة الإمارات، هو أنّ الشخص الملقى القبض عليه ليس أديبا بل هو شخص هرَّب امرأة فلبينيّة ليدخلها بشكل غير قانوني لدولة الإمارات بجواز زوجته العمانية، مقابل مبلغ هزيل متفق عليه، وقد أرفق هذا الكلام بخبر منشور في جريدة البيان الإماراتية، مع صورة للشخص طبعا ليست صورة معاوية، ولا نقول إلا لك الله يامعاوية.

إنّ معاوية في سن ولدي يا حكومة، فإن فقدنا معاوية اليوم من يضمن لي حماية ولدي غدًا، ويا خارجية إذا قصر حبل جمعيات المجتمع المدني، فإنّ ليدك الطولى بصفتك إحدى الوزارات السيادية في البلاد القدرة للعمل على إعادة معاوية إلى حضن الوطن..

ختاما: إنّ معاوية مواطن عماني من حقه على هذا الوطن أن يُكرم وأن يُحمى، وعلينا أن نتذكر أنّ لمعاوية أمًّا يعتصر قلبها وجعا عليه، فهل نتركها حتى تفنى حسرة وكمدا ثم نمصمص شفاهنا مسكينة، وما جدوى الترحّم وقد أسهمنا جميعا بهذا الصمت في إيذائها، ولأنني أم مثلها، لا أجد ما أقول سوى: أغيثيني يا بلدي، وأرجعي ولدي.

تعليق عبر الفيس بوك