لنصنع جيلا قارئًا

زينب الغريبية

الاهتمام بقراءة الطفل وتشجيعه كان موضوع مقالي الأسبوع الماضي، وقد تلقيت ردودًا كثيرة، واهتمامًا من المربين لاسيّما الأمّهات وكذلك الآباء، كثير منهم من وافقني الأمر وعزز من الموضوع، والبعض منهم من رأى أنّ الموضوع صعب، خاصة في ظل الأجهزة الإلكترونية وما تقدّمه من ألعاب وبرامج تشغل ذهن الأطفال وتشوشه وتستنزف جل وقته، ولكني أصر على أنّ الطفل كعجينة الصلصال، لنا أن نشكله كيفما نشاء، وإلا ما معنى أن نكون مربين، وما دورنا كآباء وأمهات ومربين إذا تركنا أطفالنا للتقنية والمستجدات تحركهم كيفما تشاء دون تدخل منا.

وأنا هنا على موعد معك أيها القارئ العزيز بتقديم طرق عملية، وشيقة لتحفيز الطفل وتشجيعه على القراءة، لنجعل من أطفالنا جيلا قارئا، ملهما، يحلق في سماء المعرفة لينال العلم والحياتين الدنيا والآخرة، ولكن الموضوع ليس سهلا، وأيضا ليس بالصعب، إلا أنّه علينا تحمل تكلفة التربية وتأديتها على أكمل وجه، لنجنيها ثمارًا طيبة.

بداية أن تكون عزيزي المربي أنت القدوة القارئة، فعندما يرى الطفل أمه وأبيه يعطيان اهتمامًا كبيرًا للقراءة ولمن يقرأ، ويتعاملان مع الكتاب، فإنّه سوف يقلدهم، وعلينا توفير الكتب والمجلات الخاصة بالطفل تناسب مراحل نموه العقلي والعاطفي. وتحمل المضمون التربوي المناسب للبيئة التي يعيش فيها الطفل، على أن تتميز بالإخراج الجميل والصور الجذابة.

ومن المهم التدرّج مع الطفل في قراءته لكي نغرس حب القراءة لديه، فمثلاً كتاب مصور فقط ثمّ التدرج لنصل به للفقرات والكتب العلميّة، ولا يفوتنا مراعاة رغبات الطفل القرائية، فهي تعد من أهم الأساليب لترغيبه فـي القراءة، فالطفل مثلاً يحب قصص الحيوانات وأساطيرها، فعلينا أن نساهم فـي تلبية رغباته وحاجاته القرائية، وعدم إجباره على قراءة موضوعات أو قصص لا يرغب بها.

توفير المكان الجيّد للقراءة فـي البيت أمر مهم لتشجيعه على القراءة، وتخصيص وقت للطفل للقراءة له فيه من قبل الأب أو الأم حتى ولو كان الطفل يعرف القراءة، فإنّ المربي بذلك يمارس أفضل الأساليب لغرس حب القراءة فـي نفس طفله. وبعدها يناقش أطفاله فيما قرأه لهم، ويطرح عليهم بعض الأسئلة، ويحاورهم بشكل مبسّط. ويحاول أن تكون هذه القراءة بشكل مستمر، كل أسبوع مرتين على الأقل. ولا تنسَ إحاطة طفلك بالمواد المقروءة الجذابة من كتب وقصص ومجلات في كل مكان في غرفته وفي غرفة المعيشة وفي السيّارة وتحت الدرج وغيرها من الأماكن المتوفرة في البيت.

ومن الأشياء التي يجب أن نراعيها هي عدم حصر تفكيرنا فيما نريد أن يقرأه أطفالنا فنحجر بذلك على ميولهم، وتصبح القراءة واجبًا لإرضائنا وليست هواية محببة فالبعض يعتبر أنّ قراءة أطفالهم لغير الكتب الدينية أو قصص الأنبياء والصالحين مضيعة للوقت، ولا يدركون أنّهم بهذا يحطمون فيهم الميل للقراءة، وملكة الاختيار؛ فمن المهم أن نوفر لأبنائنا الكتب الدينية الشيّقة والممتعة، وفي الوقت ذاته نمنحهم حرية الاختيار دون إخلال بثوابتنا، ويميل الأطفال والمراهقون إلى قصص المغامرات والقصص البوليسيّة والخيال العلمي فلا ينبغي التضييق عليهم بل نشجعهم على تطوير مهارة القراءة وسرعتها، ونفرح بسيرهم على طريق امتلاك ناصية اللغة، واتساع دائرة المعرفة والتعبير، فالمهم لدينا بداية هو إكسابهم حب القراءة مع دفعهم بلطف إلى تجويد الاختيارات.

ومن الأمور المشجعة تخصيص وقت للقراءة العائلية يوميا يقرأ فيه جميع أفراد العائلة في صمت، الكل ممسك بكتاب، هذا المناخ سيدفع طفلك دفعًا نحو القراءة، وليس من الضروري أن يكون هذا الوقت طويلا. فمن الممكن أن يتراوح بين 15-30 دقيقة، إن هذا السلوك اليومي سيلهم أطفالك ويطلق رغبتهم في القراءة.

وهناك أساليب مشوّقة يمكن أن أضع بين أيديكم نماذج من تجاربي الشخصية، وأترك لكم المزيد من الإبداع في تطوير أساليب جديدة، من الممكن مشاركتها بيننا سويًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منها على سبيل المثال أن تقرأ القصة على أطفال مجتمعين مع أطفالك كأصدقائهم أو أقاربهم، ثم يمثلونها ويلعبوا أدوار شخصياتها؛ فجلسات القراءة المسموعة، تجعل الأطفال يعيشون المتعة الموجودة فـي الكتب، كما أنّها تساعدهم على تعلم وفهم لغة الكتب. وتخصيص ناد للقراءة الأسرية وذلك بتخصيص مدة معينة ولتكن شهرًا على سبيل المثال يقرأ فيه جميع أفراد الأسرة نفس الكتاب، ثم يجتمعون لمناقشة آرائهم وأفكارهم حوله.

تشجيع فكرة الكتب الإلكترونية فأطفال اليوم مولعون بالتكنولوجيا فمن الجيّد استغلالها في تحفيزهم على القراءة على الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحيّة أو الهواتف النقّالة، كما يمكن استغلال الفرص والمناسبات لتشجيع القراءة كتقديم كتاب هدية له في مناسبات الأعياد ونجاح الطفل أو تفوّقه فـي دراسته، واستغلال المناسبات الدينية، مثل الحج والصوم، ويوم عاشوراء، لتقديم القصص والكتيبات الجذابة للطفل حول هذه المناسبات، ولا ننسى استغلال الرحلات والنزهات والزيارات، كزيارة حديقة الحيوان، وإعطاء الطفل قصصاً عن الحيوانات، وهناك فرص أخرى مثل المرض وألم الأسنان بتقديم كتيبات حولها، ووقت الإجازة والسفر فمن الممكن شراء كتيبات سهلة، وقصص مشوّقة عن المدينة التي سوف تسافر الأسرة لها، وتقديمها للطفل أو القراءة له قراءة جهرية، فالقراءة الجهرية ممتعة للأطفال وتبقى ذكرى عاطفية ربطتهم بأبويهم. واستغلال الوقت الذي يقضيه الطفل في السيّارة في مشوار ما لاسيّما إذا كان الطفل سيجلس لمدة طويلة فـي السيارة.

اللعب مع الأطفال بعض الألعاب القرائية مثل كتابة كلمات معكوسة وهو يقرأها بشكل صحيح،
أو أن تطلب منه أن يقرأ اللوحات المعلقة فـي الشوارع، ويمكنك كتابة قوائم ترغب فـي شرائها من محل التموينات، والطفل يشطب اسم الشيء الذي تشتريه، ولا يفوتنا تعويد الأطفال على قراءة وصفات الدواء أو تواريخ الإنتاج والانتهاء في المنتجات الغذائية، أو ألعاب التركيب فيقرأها ويتبع التعليمات، ومن الجميل الاشتراك في مجلات الأطفال فينتظرون وصولها، ويقرؤنها باستمتاع وإحساس بالخصوصية ويرتبطون بها.

الحكاية للطفل الصغير من قبل أحد والديه أو جديه في السن المبكرة من الوسائل الجيّدة التي أثرت على الوعي البشري للتواصل مع الطفل وتوجيهه وتعريفه على نفسه والعالم من حوله إضافة إلى دورها في تقوية الروابط بين جميع أفراد الأسرة، كما أنّ تشجيع الأطفال واصطحابهم على زيارة معارض الكتب والمكتبات تربطهم بالكتاب. تعويد الطفل وتشجيعه على ادخار مبلغ من المال لشراء كتب أو قصص في مجال اهتمامه، وتشجيعه على إهداء الكتب للأصدقاء أو الأهل في المناسبات المختلفه كأعياد الميلاد فهذا يساعد على تأثيره في أطفال آخرين وحثهم على القراءة وفي الوقت نفسه يساعد الطفل على التعلق بالكتاب.

يمكن عمل مسابقات داخل الأسرة لها علاقة بالمكتبة الأسرية مثل إعطاء جائزة لمن يحفظ أكبر عدد من أسماء الكتب أو يلخص قصة، أو الطلب من أحدهم القيام بمشروع كتصميم ملصق أو التخطيط لرحلة عائليّة، وبالتالي عليه جمع معلومات فيلجأ الطفل بصورة تلقائية للبحث عن تلك المعلومات بين صفحات الكتب أو المجلات، وهذا يُحدد هدفا واضحا للقراءة، تشجيع الابن الأكبر على القراءة لأخوته الصغار فذلك يجعله يشعر بأنه يستعرض نفسه أمام جمهور يقدر مهاراته في القراءة والسرد، من ناحية، ويجعله قدوة له من ناحية أخرى.

عزيزي المربي لا تيأس أبداً فمهما بلغ سن أطفالك ومهما كبروا يمكنهم أن يتعلموا حب القراءة لكن المهم أن تبدأ معهم، ولنعلم بأنّه وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة و وراء كل تربية عظيمة مربون عظماء.

تعليق عبر الفيس بوك