التأديب الإيجابي (2)

نادية المكتومي

عزيزي القارئ بدأنا في عدد سابق حديثا عن التأديب الإيجابي مفهومه وأسسه وأهميته في حياة أبنائنا، ونستكمل اليوم حديثنا حول الموضوع ذاته، استهل حديثي بمقولة رائعة في مكارم الأخلاق وردت عن سيدنا علي كرم الله وجهه (إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها)، المتأمل في المقولة يدرك جليا أهمية التربية على مكارم الأخلاق فهي تمثل الأساس الحقيقي الذي يقوم عليه الفرد والمجتمع وتنظم علاقة الفرد بنفسه ومن حوله ولا يتأتى ذلك إلا بتربية الناشئة عليها من قبل من يتعهدهم بالرعاية بدءًا بالوالدين والمدرسة وكل من يعهد له مسؤولية التربية من وسائل الإعلام والمسجد والمؤسسات الأخرى، ولذلك يعد التأديب الإيجابي الوسيلة الجوهرية لغرس هذه الأخلاق في أبنائنا متى ما أدرك المربون أسسه وأهدافه السامية وأساليبه الصحيحة.

وتقوم عملية التأديب الإيجابي على ثلاثة أسس:

  • التنظيم.
  • النمذجة والقدوة.
  • البرمجة.
  • ويقصد بالتنظيم أن الأطفال يرتاحون متى ما وجدت ضوابط وحدود للأشياء لأن الوضوح يشعرهم بالراحة النفسية والروتين يشكل لهم الأمان، فالتنظيم ضروري في حياة الطفل خاصة في سنواته الأولى فهو يحترم الوالدين الذين يرسمان الحدود والضوابط، والعكس صحيح، وهو يحترم تدخل والديه وتعبيرهما عن عدم رضاهما عن سلوك معين أكثر من احترامه للتوبيخ والصراخ والتهديد خاصة تلك التي لا تعتمد على أسس ومعايير وقوانين واضحة، فالتنظيم يشبع حاجة الطفل للضبط وتوجيه السلوك على أن ننتبه لعدم جعل هذا التنظيم خانقا للطفل ويسجنه في بنود فنحن نريد ضوابط تعين على الانطلاق وتنمي الذكاء والمسؤولية لدى الطفل من هنا من المهم جدا وجود لائحة قوانين تنظم سلوكيات الأبناء وتمثل دستورا لضبط السلوكيات المهمة وتوضع وفق أسس تربوية يجب مراعاتها وسنتحدث عنها بالتفصيل في عدد قائم.
  • النمذجة والقدوة: يعتبر التقليد حاجة وسمة نفسية من سمات الطفولة، فالطفل يتعلم من خلال تقليد من حوله في سلوكياتهم وحركاتهم، وبالتأكيد سيقلد من يحب ويعجب به سواء الوالدين أو أحد الشخصيات حتى الكرتونية منها، فهو مجبول على تقليد من يحب ومن يكسب إعجابه، وهذا ما أثبته نبينا في قوله ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وبذلك كما تكون سلوكياتك سيكون أبناؤك، فيجب عزيزي المربي أن تنمذج السلوك الحسن ليحتذي بك أبناؤك وتسهل على نفسك عملية التأديب بالنمذجة والقدوة، فأنت عندما تكون قدوة حسنة لهم في سلوكياتهم المرغوبة تمارس التأديب الإيجابي بهذه النمذجة الإيجابية للسلوك بدلا من التهديد والقسوة والعنف لضبط سلوكياتهم والذي لا يجدي نفعا، فبعض الآباء يقول: صرخت في وجه ابني، أو ضربته على سلوكه السيئ فارتدع، نعم هو ارتدع في تلك اللحظة لكنه سيرد لك الصاع صاعين لاحقا إما باستمراره على السلوك الخاطئ علانية لاحقًا أو خفية من ورائك وإما بأن يقوم بسلوكيات مزعجة أخرى يعبر فيها عن رفضه لصراخك أو ضربك له، فانتبه عزيزي المربي من هذه المعتقدات الخاطئة في التأديب التي تجعل التأديب سلبيا ومنفرا بدلا من كونه داعما وحاجة أساسية للطفل. وتذكر أنه كلما كانت العلاقة بينك وبين أبنائك طيبة أحبوك فقلدوك وكلما ساءت نفروا منك وعاندوك وعارضوك فتبدأ الحيرة والانحراف والبحث عن أنموذج غيرك لتقليده، أنموذج محبب لهم.

الأساس الثالث في التأديب الإيجابي هو الإيحاء والبرمجة: ونقصد بالإيحاء هو كل ما يدور حول الطفل من أحداث ومشاعر والتي تنتقل تلقائياً للطفل، فمثلا الأسرة الحزينة تنقل ذلك للأبناء والأب المتفائل يتقن نقل هذه التفاؤل إلى أبنائه بالإيحاء فتتأصل هذه الإيحاءات في حياة الطفل وتشكل شخصيته، تماما كما يحدث في الواقع عندما يكون الوالدان ساخطان على قانون وقضية معينة في المجتمع نجد الأبناء يتبنون نفس الفكر والمشاعر نحو نفس القضية، كيف حدث هذا؟ بالإيحاء التلقائي، كما يمكن أن يكون الإيحاء بشكل مقصود من خلال تعليم الطفل فن ممارسة الإيحاء الإيجابي الذاتي كأن تعلمه أن يقول لنفسه: أنا ذكي، أنا مبدع ما شاء الله علي، ويمكن أن يقوم الآباء بهذا الدور فيقولون للابن: أنت رضي الوالدين ربي يفتح عليك، أنت ابن مميز في دراستك وغيرها من الرسائل العقلية الإيحائية الإيجابية..

وانتبه عزيزي المربي أن هناك إيحاء خفيا أقوى من إيحاء الكلمات وهو لغة جسدك والتي توصل ما نسبته 55% من الإيحاءات والرسائل ناهيك عن نبرات الصوت التي توصل ما نسبته 38% فنظرة الفرح، التفاؤل تنقلها العيون وتعابير الوجه بقوة دون كلمات، وعندما تقول لابنك: أنت مبدع، أنت مبدع(نوع النبرات) ستوصل رسائل وإيحاءات مختلفة فلننتبه لهذه القوة الخفية المؤثرة على الطفل.

أما البرمجة فخطورتها أن ما نسبته 70% من سلوكيات الطفل يتم تشكيلها بالبرمجة في السنوات الخمس الأولى من عمره.

ومن أهم وسائل البرمجة هي:

1. اللغة: تبرمج الطفل عقليا ونفسيا فاحرص عزيزي المربي على اللغة الإيجابية المفعمة بالخير والتفاؤل والفرح والسكينة.

2. التكرار: وهو تكرار الكلام المراد المباشر وغير المباشر بواسطة التدريب والتشجيع ليقوي ويعزز السلوك لدى الطفل، فلا تضجر عزيزي المربي من كثرة إعادة التعليمات أو التوجيهات على الطفل، فالتكرار حاجة تربوية نفسية لدى الطفل لتتم عملية البرمجة.

3. تركيز المربي على بناء الحس الإيجابي وتحبيب الطفل للشيء المرغوب والعكس صحيح هو بناء حس سلبي ومنفر من الأشياء السلبية كله يلعب دورًا في القبول والرفض النفسي للأشياء، ويتم بناء هذا الحس والعاطفة للأشياء عن طريق استعمال اللغة والتأكيد والتكرار ولغة الجسد لبناء الكفاءة العاطفية.

4. الممارسة العملية والتدريب: علم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال: صلوا كما رأيتموني أصلي،، بما معناه ؟ أن من طرق برمجة السلوك هو التدريب العملي المباشر للسلوك المرغوب وتوفير الأجواء المناسبة التي تتيح للطفل تعلم المهارة والسلوك الإيجابي، وهنا أستحضر مشهدا يتكرر كثيرا في مجتمعاتنا وهو حجب الطفل عن مجالس الكبار والمناسبات الاجتماعية بدعوى أنه يحرجني بتصرفاته، متناسين أنهم يحرمونه بهذه الطريقة من فرصة تعلم عادات اجتماعية ومهارات اجتماعية غاية في الأهمية ثم يأتي الأب يشتكي ابني انطوائي أو خجول، في الطفولة والمراهقة لاحقا..

عزيزي المربي تذكر أن التأديب حاجة نفسية ملحة ومهمة لدى الطفل تشعره بالأمان وتوفر له الراحة والاستقرار وهو مؤشر من مؤشرات حبك لأبنائك فتعلم فنون التأديب الإيجابي بمعناها الأشمل وهو التدريب والتشجيع والتحفيز والبرمجة والإيحاء مع التكرار لكل هذه الأساليب،دمتم برقي...

تعليق عبر الفيس بوك