لا حياة لمن تنادي!

محمد بن رضا اللواتي

تظهر هذه الكلمة تعليقا من قبل جمع كبير من المثقفين والمهتمين بالشأن الاجتماعي من المواطنين، عندما تتناول الأقلام مواضيع تتعلق بأزمة اجتماعية أو بيئية، أو تشير إلى وجود نقص حاد في الخدمات والبنى التحتية في بعض المناطق، أو عندما تلقي بالضوء على وجود عجز في إدارة بعض الوزارات لأعمالها أو تنكبها لطريق غير الطريق الذي ينبغي لها أن تسلكه - وفق نظرهم- تجاه بعض المهام الملقاة على عاتقها، أو عندما تخط هذه الأقلام تهكمًا من عملية إسناد جمع هائل من المسؤوليات الدقيقة والخطيرة لرجل واحد، فكأنّ الوطن نساؤه عجزن - وفق نظرهم - عن أن تنجب من بإمكانه إدارة تلك المسؤوليات عوضًا عن أن يتم رميها برمتها على كاهل مثقل سلفًا بعشرات من المهام، وشبيهة بهذه المسائل، فيطلق البعض عندها تعليقا مفاده أن "لا حياة لمن تنادي" التي تحمل دلالات لا تخفي على أحد من ناحية ارتمائها في الجانب السلبي للموضوع.

فمثلا، عندما تناولت بعض الأقلام في هذه الجريدة الغراء موضوع معاناة المواطنين في أروقة وزارة الإسكان الموقرة، وأشارت البعض الأخرى إلى تساؤلات مشروعة عن دور وزارة السياحة وأين هي منجزاتها على مستوى السياحة الداخلية، وتطرّقت لغيرها من أمور تتعلق بضعف جودة التخطيط لمدينة روي، حينها أغلب التغريدات استخدمت العبارة "لا حياة لمن تنادي" و "على من تقرأ زبورك يا داود"!

وبعيدًا عن مدى صدق هذه العبارة، أو مدى خطئها، وبعيدًا كذلك عن تحليل ما تضع هذه العبارة بين يدي متلقيها من دلالات لا تتلاءم مع الجهد المبذول في النهضة العمرانية، وكون المواطن هو محط التنمية على أرض هذا الوطن، كما قد يرى البعض، أو كما يرى آخرون ممن يخالفونهم الرؤية، بأنّ المواطن لا يزال يعاني في الحصول على الخدمات التي لأجلها وُجدت مجموعة من الوزارات، أقول: بعيدًا جدًا عن هذا وذاك، لنطرح تساؤلا حول:

كيف يمكن التقليل من استخدام هذه العبارة، إن لم نتمكن من الحد عن استخدامها تماما؟

يقدم البعض مقترحًا للتقليل من بروز هذه الكلمة، من خلال ما يمكن للسلطة الرابعة أن تلعبه، فلو قام الإعلام والصحافة المحلية بأداء دور متميز حول إبراز مكامن الضعف في البنى التحتية لبعض المناطق مثلا، أو استطلعت الصحف المحلية حول ما يعانيه المواطن في سبيل الحصول على خدمات مشروعة له لدى بعض الجهات الحكومية مثلا، أو رصدت أحوالا تستحق التحرك فورًا لأجل حلّها إن كانت مأزقًا، أو تحسينها إنّ كانت في حاجة إلى لمسات التحسين، أو تطويرها أو ربما إعادة مسار التخطيط لها كليا إن كان ذلك لا بد منه، ولو تطرق التلفزيون باستطلاعاته إلى ما يعيق قدوم استثمارات هائلة أقليمية تقف عند الحدود مترددة من القدوم مما تسمعه من عراقيل تنتظرها في أروقة بعض الوزارات مثلا، أليس من المتوقع أن تكون الاستجابة والاهتمام بما تم رصده، من قبل الجهات المعينة، أسرع؟ هذا أحد المقترحات.

ويضيف آخرون مقترحا مختلفا، يقولون إنه لو أعلنت كل وزارة خدمية عن رؤيتها ورسالتها والأهداف التي تعمل على تحقيقها، ثم أردفت ذلك بنظام قياس الأداء الوظيفي، وقياس رضا المواطنين من خدماتها، ألم يكن في ذلك فرص أعظم للتخلي عن نبرات من قبيل "لا حياة لمن تنادي"؟ أصحاب هذه الفكرة يرون أنّ فرص المراجعة والتصويب والمساءلة حينها ستصبح أدق، كما وأنّ تحديات التغيير ستكون واضحة المعالم بشكل أفضل.

وثمّة من يقدم مقترحًا آخر يقول فيه، إنّ استطلاعا عاما وشاملا لرأي المواطن حول أفضل أداء وزاري خدمي ومن قبل جهة بحثيّة مستقلة قد تكون أداة تحفيزية بالغة التأثير من جانبين: جانب المواطن الذي سيجد أنّ مشاركته في الاستطلاع فرصة لتحسين الخدمات التي طالما كان يرجو تحسّنها، ومن جانب الوزارة التي ستجد أنّ المشاركة في هكذا استطلاع سيضع بين يديها موقعها من رضا المواطن، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين خدماتها بمراقبة جودة أداء موظفيها، كما وأنّ الامتناع عن المشاركة تنتج عنه استفهامات تضر بموقعها كوزارة خدمية.

وسواء اعتبرنا المقترحات المارة مجدية جدا أم لا، إلا أننا أمام حقيقة لا اختلاف حولها، وهي أن مطالب تحسين الأداء وجودته والرقي بالخدمات إلى سقف طموح المواطن أمر لا يمكن المزايدة عليه بشيء، طالما أن مصب التنمية هو المواطن، الذي لا يمكن فصله عن حالته الاقتصادية والصحية والأمنية. وعلى ضوء ذلك، فكل مقترح يعمل على منع إطلاق عبارات سلبية من قبيل "لا حياة لمن تنادي" متضمنا أفكارًا تتعلق بتطوير الخدمات وتدشين أساليب أكثر تطورًا لأجل راحة المواطن فهي حتما مقترحات مرحب بها للغاية.

ختاما لنتذكر أقولا ينبغي أن تُكتب بماء من الذهب، أطلقها جلالة السلطان المعظم في خطابه الموجه لكبار رجال الدولة بتاريخ 15 مايو عام 1978 م، يقول فيها:

"وهناك أمر هام يجب على جميع المسؤولين في حكومتنا أن يجعلوه نصب أعينهم، ألا وهو أنهم جميعا خدم لشعب هذا الوطن العزيز، وعليهم أن يؤدوا هذه الخدمة بكل إخلاص، وأن يتجردوا من جميع الأنانيات، وأن تكون مصلحة الأمة قبل أي مصلحة شخصية، إذ أننا لن نقبل العذر ممن يتهاون في أداء واجبه المطلوب منه في خدمة هذا الوطن ومواطنيه، بل سينال جزاء تهاونه بالطريقة التي نراها مناسبة". قابوس بن سعيد سلطان عمان.

يتمنى بعض الزملاء أن يجدوا بجوار صورة جلالته كلمته هذه معلقة على جدار الصالة الرئيسة لكل وزارة!

mohammed@alroya.net

تعليق عبر الفيس بوك