الأردن.. هدوء في قلب العاصفة

فؤاد أبو حجلة

في الوقت الذي يطرق فيه أشقاء عرب كثيرون أبواب السفارات الغربية للحصول على تأشيرات دخول إلى أوروبا للنجاة بأنفسهم وبعائلاتهم من الجحيم في بلادهم المحترقة بنار "فتنة الربيع"، تعلن الحكومة الأردنية تمكين سفارات المملكة من إصدار جوازات السفر للمغتربين المقيمين في الخارج لتسهيل إصدار وتجديد الجوازات وتخفيف الإجراءات الرسمية وإراحة المغترب من كلفة السفر من أجل إنجاز معاملة.

أطرح هذا المثال للدلالة على مستوى الثقة والطمأنينة التي يعيشها الأردن الهادئ والمستقر والمتطور رغم وجوده في قلب العاصفة ورغم تدحرج كرات النار من حوله في كل الجهات.

لم يتأت ذلك من فراغ، ولم يكن ممكنا لبلدي أن ينجو من هذا الخراب في منطقة مشتعلة بالصراع بين الضلال والضلال لولا حكمة النظام ووعي المجتمع وإدراك الأردنيين بأن الدين لله والوطن للجميع.

لست أنافق أحدا، ولا تشدني عصبية الانحياز القطري في هذا التوصيف لواقع الأردن في زمن الجاهلية العربية الحديثة التي تترسخ بالدم والبارود والحرائق في سوريا شمالا وفي العراق شرقا، وفي زمن الحروب الداخلية التي تجتاح دول الجوار وجغرافيا الخراب في مشرق الوطن العربي ومغربه.. ناهيك عن التربص والاستهداف المتواصل من قبل العدو الأكبر وهو اسرائيل القائمة بقوة القمع والبطش والإرهاب في فلسطين المحتلة التي ترنو إليها عيون الأردنيين وقلوبهم.

الأردن محاط بالتوتر والصراع من الشمال والشرق والغرب، لكنه يحافظ على استقرار سياسي وأمني ومجتمعي يثير حسد الآخرين ويحرك فضول الباحثين عن "السر" في هذا التفرد الأردني بالهدوء في منطقة مشتعلة بالحروب والفتن والأحقاد التي تحرق البلاد والعباد.

سألني عن "السر" كاتب عربي حيرته هذه القدرة على حماية الدولة الأردنية من المؤثرات الإقليمية والعالمية التي تعصف بمعظم الكيانات العربية القائمة، رغم أن الأردن، في الرؤية النظرية الضحلة، ساحة مكشوفة للمؤثرات لأنه بلد فقير نسبيا ويواجه صعوبات اقتصادية كبيرة.

في الواقع تبدو حيرة الكاتب العربي مبررة لأن ما ينشر عن الأردن يتناول العلاقات السياسية بين عمّان والمحيط العربي والعالم، ويقدم صورة ناقصة للواقع الأردني تعتمد فقط على أرقام الناتج القومي ونسب البطالة وعجز الموازنة، وهي كلها أرقام مهمة وتمثل مشكلات حقيقية ينبغي التركيز على حلها، لكنها تغفل في الوقت نفسه حقيقة وجود حصانة أردنية كشفت التطورات انتفاءها في مجتمعات ودول أخرى أكبر وأغنى من الأردن.

هذه الحصانة الداخلية هي سر استقرار الأردن وسر هدوئه وسلمه الأهلي في زمن التحولات الكبرى في المنطقة. وهي الحصانة التي لم تتحقق بقرار رسمي، لأنّها حصانة مؤسسة في النفس وكامنة في نظام الحكم وفي المجتمع ومؤسساته المدنية.

وهذه الحصانة هي التي تفسر عدم وجود حاضنة للارهاب والتطرف في المجتمع الأردني، وهي التي تحمي السلم الأهلي في البلاد، وهي التي تجعل الأردن ملاذا للهاربين من الموت الآثم في بلادهم.

أعود لأقول إنني لا أكتب مديحا، بل أصف حال بلدي في هذه المرحلة الصعبة، ومن لا يرى هذا الحال فإنه يختار أن يغمض عينيه كي لا يلمح تفرد النموذوج الأردني. ومن لا يرى ذلك من الزملاء فعليه أن يخرج من الأردن ليراه بعيدا عن المناكفات والاصطفافات الداخلية، ليعرف كم نحن محترمون في عيون الآخرين.

تعليق عبر الفيس بوك