عرشان ودواميس مسقط

علي المطاعني

في الوقت الذي كان يتطلَّع فيه الجميع إلى أن يروا مسقط أكثر جمالا وتلبس أحلى الحلل، وتضع الشروط الصارمة للحفاظ على المظهر العام الذي تميَّزت به طوال العقود الماضية، نرى بلدية مسقط بدأت هي نفسها بتشويه المظهر العام، وذلك بالسماح بإقامة مظلات مواقف سيارات خارج البيوت والمنازل للأسف، هذه الخطوة غير المدروسة سوف تحول مسقط إلى ما هو أشبه بالغرشان والداوميس التي تتناثر في الأحياء السكنية في القرى قبل النهضة المباركة، تخدشُ حياءها الذي حافظت عليه طوال السنوات الماضية كأجمل المدن العربية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ الأمر الذي يدعو للدهشة والاستغراب حول ما دفع بلدية مسقط بجلالة قدرها إلى هذه الخطوة، وما الدوافع التي برَّرها المجلس البلدي الذي كان عليه أن يحرص كل الحرص على أن تبقى مسقط وجها مشرقا، وليس شاحبا تتكدس في أحيائها الخيام في مظاهر غير حضارية أن ترى عاصمة البلاد بهذا الشكل المكفهر.

فبلا شك جمال المدن في العالم ورونقها لا يتأتى من خلال العبث وعدم الالتزام بالنظم والقوانين وحالة التراجع في أجهزة البلديات للقيام بدورها الأساسي والمهم وهو الحفاظ على المدينة من كل ما يحيق بها من أذى وما يشوه مظهرها، هذا إلى جانب ما يحتاج فيه الكثير من الحديث الذي لا يتسع المجال هنا لذكره؛ فالتجاوزات إزاء مسقط كثيرة ومتعددة وتحتاج إلى التحقيق فيها على نطاق واسع؛ لأنَّ ما حدث في مسقط في السنوات العشرين الماضية يجب ألا يتم السكوت عليه من كل الغيورين على عاصمة البلاد، فالكثير من الأدلة ماثلة أمام الجميع، والشواهد موجودة، خاصة لدى كل المسؤولين الذين أؤتمنوا على المدينة والمختصين بالعمل البلدي والمهندسين والعارفين ببواطن الأمور.

إلا أنَّ الشروع في تشويه المدينة بهذا القرار الذي يُتيح عمل خيام مواقف سيارات أمام المنازل بأشكال العرشان في محافظة مسقط؛ يُعد كبيرة الكبائر توصم العمل البلدي وتضربه في مقتل والذي يشير -بدون أي شك- إلى انهيار العمل البلدي بمفهومه الواسع المعروف، وأنه علينا أن نحافظ على عندما كان يتباهى بها كأفضل المدن العربية عندما كانت البلدية تفرض اللون الأبيض للمنازل حتى غدت مسقط كاللؤلؤة تشع من بعيد للزائر والسائح وتستقرئ النظر للإعجاب الذي تحوز عليه من جماليات البناء وروعة التصميم؛ فكل ذلك الرونق الرائع ذهب تحت أدراج المصالح وتضاربها واختلاط الحابل بالنابل في مسقط، حتى تضيع هويتها وتخدش حياءها الباهي الجميل.

واليوم، نحن مع مُنعطف آخر يُكمل مسلسل التشويه بقرار رسمي لمسقط العاصمة، وقرار بفعل الإصرار والترصد كما يُقال في القانون، لتكون مسقط خياما وعرشانا ودواميس في أحيائها وأمام شوارعها وأزقتها الداخلية، ما يشوب هذه الأشكال المقززة من مظاهر لا تعبر عن جماليات المدينة، فلم تكتفِ البلدية بالسماح بالمواقف الخارجية وإنما سمحت بالتخييم لها وما يصاحب ذلك من أخطاء فادحة سواء في التصاميم أو في الأشكال أو النوعية...وغيرها من أمور قد تمتزج لتشويه مسقط بكل الأمزجة، لإخراج العاصمة من حلتها الجميلة إلى أشبه ما يكون بالكارتين التي تصطف في أحيائها.

لا نعرفُ الدوافع التي حدتْ بالمجلس البلدي والبلدية نفسها إلى اقتراح هذا القرار، لا نعرف هل تعزيز الإيرادات الذاتية بهدف مواجهه زيادة المصاريف أم سوء التخطيط الذي توارى إلى آخر الأولويات لدى مخططي بلدية مسقط أم إضفاء تشويه إلى ما هي عليه من تشويه نتيجة التجاوزات المسكوت عليها.

... إنَّ العمل البلدي له رجاله وأساليبه وأنظمته وإجراءاته التي تبقي مصالحة المدينة فوق كل المصالح والاعتبارات، ولا يتجاوز أيا كان ما يتم وضعه، لكنَّ مسقط أصبحت مثل الفريسة التي تتقاذفها المصالح، وأصبحت غالية، الكل يسعى لكي ينهش منها؛ لذا ضاعت بين الأيادي والمآرب للأسف، واليوم يأتي هذا القرار لكي يزيد الطين بلة كما يُقال، ويكمل التشوهات التي أصابت وجه مسقط الحضاري المزدان بالجمال الفطري؛ فعلينا أن نودع ما تبقى من جماليات تبهج النفس ونسلم خيام الأكفان بقرار رسمي لطمس معالم المدينة إلى غير رجعة، فلم تعد مسقط كما هي بقرار من أهلها.

بالطبع لا نسلم من المواصفات التي وضعتها البلدية وشروطها وما جاء في القرار؛ فهذه كلها ستكون مخترقة كغيرها من الاختراقات؛ سواء في المباني أو المواقف أو الالتزام بالإحرامات...وغيرها، لكن كما أسلفنا "على مسقط السلام".

نأمل من المجلس البلدي وإدارة البلدية تبرير هذا القرار ودراسة انعكاساته على تشويه مسقط وتغيير ملامحها، والعمل على دراسة الوضع قبل تنفيذ القرار.

تعليق عبر الفيس بوك