العرب في كامب ديفيد بين الندية والتبعية

عبيدلي العبيدلي

تغادر إلى كامب ديفيد قيادات مجلس التعاون الخليجي، كي تلتقي يومي 13 و14 مايو 2015 مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما كي يحيطهم، كما تناقلت وسائل الإعلام، بتطور الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط. وكان مجلس الأمن القومي الأمريكي قال أيضا إنّ الاجتماع سيكون فرصة لبحث سبل "تعزيز التعاون على الصعيد الأمني". في خضم الأوضاع العربية المتلاطمة، ليس أمامنا من خيار سوى تجاوز الناحية البروتوكولية، و"تجرع" موافقة تلك القيادات على المشاركة لمجرد دعوة هاتفية، مقابل رضوخ ستة وزراء خارجية دول مجموعة (5 +1) بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكية للدعوة الإيرانية، ويحضرون مجتمعين لمناقشة المشروع النووي الإيراني، مع وزير الخارجية الإيراني فقط. لقد كان حريًا بالرئيس الأمريكي أن يسلك الطرق الدبلوماسية التقليدية التي تعكس الندية في التعامل، دون إجحاف أي بلد بالمكانة التي تبوأها في سلم العلاقات الدولية.

على كل حال، بعيدا عن كل تلك الملاحظات، وحرصًا من المواطن الخليجي على الاستفادة من كل الفرص المتاحة، بما فيها تلك التي نتحدث عنها، يحتل هذا اللقاء المزمع عقده في الشهر القادم مكانة من الخطأ التقليل من أمرها، أو تحجيم نتائجها بالنسبة لتطور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. هذا يضع الفريق العربي أمام مسؤولية تاريخية، ربما تكون الأولى من نوعها في تاريخ العرب المعاصر، إذ يملك هذا الفريق المشارك في تلك المحادثات مجموعة من الأوراق القوية التي في وسعه استخدامها لتحسين مواقعهم في خارطة موازين القوى الشرق أوسطية، ولتحقيق أقصى أشكال الربح الممكنة. للوصول إلى ذلك ينبغي للفريق العربي أن يراعي، وهو على طاولة المباحثات، الحقائق التي يمكن أن يجيرها لصالحه، وهي كثيرة ومتشعبة، لكن يمكن حصر الأهم منها في النقاط التالية:

1. إن تاريخ الأشكال القديمة للسيطرة الاستعمارية قد انقضى. فقد ولّى ذلك الزمن الذي كانت تلتقي فيه دوائر الدول العظمى الاستعمارية بين جدران غرف مغلقة كي تعيد تقسيم العالم وفقا لمصالحها. فهناك تدهور في أوضاع تلك الدول يحول دون احتفاظها بأوراقها القديمة التي تبيح لها تسيير الأوضاع في العالم وفق أهوائها. وعليه فواشنطن لم تعد اليوم في أحسن حالاتها، وأكبر دليل على ذلك ما آلت له نتائج مباحثات مجوعة (5 +1) مع طهران بشأن مشاريعها النووية، فبغض النظر عن التنازلات التي قدمتها إيران في المجال النووي، لكنها، أي أيران، حققت الكثير من المكاسب على الصعد الأخرى، اقتصادية كانت تلك الأصعدة أم سياسية. مثل هذه المؤشرات هي التي تؤكد على التدهور الذي بات ينخر أجساد وعضلات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، ويجردها من عناصر القوة التي كان تسمح لها بالتسلط على دول العالم الأخرى والتحكم في مصائر شعوبها.

2. إنّ الطرف العربي الخليجي يملك بين يديه الكثير من الأوراق القوية التي بوسعه استخدامها لتحسين موازين قوى الحوار لصالحه، إن لم يكن على المستوى الدولي، ففي النطاق الشرق أوسطي. فعلى المستوى الاقتصادي، هناك ورقتا النفط والأسواق الخليجيتين، بما فيها سوق المعدات والأنظمة العسكرية. فآبار نفط الخليج هي المزود الأكبر للسوق الأوروبية بالذهب الأسود، وأراضيها تختزن أعلى نسبة من الاحتياطيات المكتشفة التي لا يقلل من أهميتها الاستراتيجية كل الأحاديث عن بدائل الطاقة الأخرى، من نفط صخري ومولدات طاقة طبيعية. وعلى المستوى السياسي، تحتل الكتلة العربية، التي تقودها اليوم دول مجلس التعاون الخليجي، مقعدًا متميزًا على طاولة إدارة الأزمات المتنوعة والمتتالية التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط. وبغض النظر عن أية ملاحظات على الدور العربي، لكنه يبقى رقما مهما وصعبا في معادلة العلاقات الشرق أوسطية. ولعل المعركة الدائرة اليوم في اليمن تعكس، بعيدا عن أية تحليلات بشأن "عاصفة الحزم"، الحيز الذي باتت الكتلة العربية تحتله في خارطة الصراعات القائمة والمتوقعة لهذه المنطقة. أما على الصعيد العسكري، فبالإضافة إلى كون البلاد العربية أكبر مستورد، ولا نقول مقتن نظرًا لما يتلقاه الكيان الصهيوني من مساعدات عسكرية ضخمة على المستوى الكمي، ومتطورة على المستوى التقني، لما تلفظه المصانع الحربية الغربية، وفي مقدمتها الأمريكية منها. وفوق ذلك كله، لم تعد العواصم العربية، بما فيها العواصم الخليجية بعيدة عن ساحات الصدامات العسكرية، بل هي في حالات معينة، كما نشاهد في اليمن، شكلت الطرف الرئيس فيها، وتمتلك بين يديها العديد من اوراقها الحاسمة.

3. تردي الوضع العربي، سواء من حيث العلاقات العربية - العربية الداخلية، أو على مستوى العلاقات العربية - الدولية، الذي بات بحاجة إلى من يمد يده له كي ينتشله من هذا الواقع. فالبلدان العربية المؤهلة لأن تتصدر الكتلة العربية، مثل مصر وسوريا والعراق، تئن تحت أوضاعها العربية الذاتية المتدهورة التي لا تسمح لها التفكير خارج حدودها السياسية، ومن ثم فليس هناك أفضل من الكتلة الخليجية، التي ما تزال تتمتع بأوضاع داخلية أفضل نسبيا من شقيقاتها الأخريات، من بوسعه تقد الصفوف كي يتحدث باسم العرب، وينتزع لهم بعض المكاسب التي يصر الغرب، وفي مقدمة بلدانه الولايات المتحدة على تجاهلها، أو حرمانه منها.

كل تلك الوقائع هي بمثابة المؤشرات التي تؤكد أنّ العرب اليوم على أعتاب مرحلة جديدة وحاسمة، يشكل لقاء كمب ديفيد المقبل إحدى حلقاتها المهمة، ومن ثم يتوقع المواطن من الوفد العربي أن يضع على طاولة الحوار ما يقنع الطرف الأمريكي أنه يواجه حليفا ندًا لا نصيرًا تابعا.

تعليق عبر الفيس بوك