مجموعات الدعم

أسماء القطيبي

مجموعات دعم الأقران هي إحدى التجارب الرائدة في دول العالم المتحضر المهتمة بالإنسان؛ كونه هدفَ تحضرها وتنميتها، وهي عبارة عن مجموعات أفراد يمرون بتجربة معاناة متشابهة، يقومون من خلال اجتماعاتهم وأنشطتهم بمساندة بعضهم البعض. ومن الأمثلة عليها مجموعات الدعم للأمراض المستعصية كالسرطان والإيدز، ومجموعات الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين بالأمراض العقلية والنفسية والمشاكل الإجتماعية. تكمن أهمية مجموعة الدعم في دورها في التخفيف من معاناة الشخص، وتقليل شعوره بالوحدة، مما يساهم في علاجه ويحسن نفسيته. فمثلا في دراسة لمركز فيبوروندي تبين أن 146 من النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري يعتقدن أن مجموعات الدعم كانت أكثر فائدة من بين العلاجات المتاحة.

في الوطن العربي تُنشئ الكثير من المؤسسات الصحية مجموعات دعم لأصحاب الأمراض الخطيرة والمستعصية، ترافقها أنشطة اجتماعية وترفيهية مختلفة، بينما هناك القليل فقط من مجموعات الدعم الخاصة بالأمراض النفسية والمشاكل الاجتماعية، ولعل السبب في ذلك هو تحفظ الأفراد على مشاركة تجاربهم الشخصية مع آخرين ليسوا من أقاربهم أو أصدقائهم؛ حيث إنَّهم يعدون ذلك نوعا من التدخل في الخصوصية. السبب الآخر هو الحرج من التعبير عن المعاناة؛ ففي مُجتمعاتنا العربية يُعد التعبير عن الحزن والألم ضعفا يجب إخفاؤه قدر الإمكان؛ لذا كحلٍّ بديل أقترح أن تفعل مجموعات دعم أقران في الإنترنت وبالذات في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي توفر الخصوصية المطلوبة، وتمكِّن الأفراد من التحدُّث بحرية عن تجاربهم الشخصية بتفاصيلها وطرح الأسئلة دون حرج. ميزة أخرى قد يُوفرها تفعيل مجموعات الدعم عبر الإنترنت، وهي تقليل تعلق أفراد المجموعة ببعضهم البعض -وهو ما يحصل عند اجتماعهم في الواقع- وبالتالي من مضاعفة الألم نتيجة فقد الآخر كما هو وارد في حالة الأمراض المستعصية، وأذكر هنا تجربة إحدى الصديقات المصابة بمرض فقر الدم المنجلي التي توقفت عن حضور اجتماعات مجموعة الدعم؛ لأنها لم تعد تحتمل فقد مزيدٍ من صديقات المجموعة أثناء صراعهن مع المرض، وهذا ما سبَّب لها ألما نفسيا كبيرا وفاقم من سوء حالتها الصحية.

مجموعات الدعم فكرة ممتازة إذا قمنا بتطبيقها في وسائل التواصل الاجتماعي؛ بحيث تشمل مشاكل الحياة وضغوطها؛ فمثلا يُمكننا إنشاء مجموعة للذين فقدوا أحد أقاربهم أو اصدقائهم ولم يستطيعوا تخطي الأمر؛ فالحديث عن الأمر مع أناس يمرون بنفس التجربة قد يساعد ويجعل الشخص يشعر بأنَّ ما يمرُّ به أمر طبيعي سيتمكن من تجاوزه بعد مدة معينة، ومثلها مجموعات للطلاب الواقعين تحت الملاحظة الأكاديمية، أو للذين يعانون من اضطرابات في النوم...وغيرها من المجموعات التي يتحدَّث فيها الأفراد بانفتاح عن تجاربهم الشخصية وطرق تعايشهم مع معاناتهم مما يُمكِّن الآخرين في نفس المجموعة من الاستفادة من هذه التجارب، أو على الأقل أن تقدم رسالة لكل عضو مفادها "لست وحدك من يعاني من هذا الأمر".

ورَغْم أنَّ مجموعات الدعم عبر الإنترنت تبدو فكرة مغرية، إلا أنه من الصعب التأكد من مصداقية أعضائها وأهدافهم من الانضمام للمجموعة؛ فقد يدَّعي البعض أنه مُصاب بمرض خطير من أجل الحصول على التعاطف مثلا، وقد يستغلها البعض للتسلية، وتحسين قدراته على سرد القصص الدرامية المؤثرة دون مراعاة لمشاعر الآخر وحساسية الأمر. أو قد يتبادل الأعضاء معلومات وأفكار مغلوطة حول ما يمرون به كون المجموعة لا تخضع لإدارة متخصص؛ مما قد يؤثر سلبا على تحسنهم. لكنها تبقى حلا بديلا في ظل تحفظات المجتمع وقيوده. وبإمكانها أن تتطوَّر فيما بعد إلى أن تصبح لقاءات على أرض الواقع، أو تكون انطلاقة لأنشطة يقوم بها هؤلاء الأعضاء في مناطقهم هدفها توعية أفراد المجتمع حول كيفية تجنب ما واجهه الأعضاء من معاناة، أو التوعية حول مرض معين، وكيفية التعامل مع المصابين به. وهذه الأنشطة بلا شك ستؤثر على بقية أفراد المجتمع كونها مستوحاة من تجارب شخصية، إضافة إلى أنها مُبادرات غير رسمية ولا تهدف للربح المادي.

مجموعات الدعم هي بوابة الأمل لدى أعضائها؛ حيث إنها تبقيهم صامدين وتمدهم دائما بأسباب الحياة في الأوقات التي يشعرون فيها بأنَّ ما من ثمة فائدة من المواصلة؛ فما أحوج مُجتمعاتنا لمثلها حتى نُنقذ بعضنا البعض من اليأس وندعم بعضنا بعضًا لنحيا كما يجب.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك