سنابك العاديات


عائشة البلوشية


يقول المولى عز وجل في سورة العاديات (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) سورة العاديات، لا أبالغ إن قلت بأنني أعيش روعة هذه الآيات، وما تحمله من إعجاز وصفي بليغ مع كل مهرجان للفروسية، والذي يبرز جمال الخيل وتناسق حركاتها فرادى، واتساق توافقها مثنى ومجموعات، وتناغم فهمها للإنسان، منسابة مع الإيقاعات الفلكلورية والكلاسيكية، وإبداع الخالق في جمال الأصائل من الخيل، وتنوع الأعراق بتنوع المعروض في كل مهرجان..
أصبحت الاتصاﻻت بسرعة الضوء، وأصبح الخبر وليد اللحظة والانتشار، وتسابقت مواقع التواصل الاجتماعي ليكون لها فرس السبق في إطلاق الخبر حول ظهور حبيب القلوب - أبقاه الله في صحة وعافية- مترئسًا اجتماع مجلس الوزراء، وتسابق الكثير لتأدية دور هدهد سيدنا سليمان عليه السلام، مؤكدا أنّه جاء بالنبأ اليقين، لقد خلق هذا النوع من مواقع التواصل الاجتماعي إعلامًا جديدًا، تعتمد عليه بعض المحطات الفضائية والصحف، بغض النظر عن مصداقية الخبر من عدمه، وقد كنت يومها في زيارة قصيرة إلى المملكة المتحدة، فكان هناك من يسأل عن صحة الخبر وغيرهم ينفي، والكثير يشكك. وهكذا، فما كان مني إﻻ أن قمت بفتح تطبيق التلفزيون العماني في هاتفي الذكي ﻷتيقّن من الخبر...
وإذا بي أكاد أسمع سنابك العاديات وهي تلهب الأرض، قادحة شررًا من أنوار ملوّنة، ويكاد ضبحها يتحول إلى إيقاع من احتفاء فلكلوري مزخرف، وأنا أشاهد سيدي وموﻻي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه وبلباس الصحة والعافية كساه وأبقاه- يترأس اجتماع مجلس الوزراء الأول له بعد العودة المباركة إلى أرض السلطنة، كانت اللهفة لرؤية صفحة الوجه البشوش حفظه الله ورعاه في ذلك اليوم بالذات تسبق العيون، فتوالت الصور الواحدة تلو الأخرى، ولكنّها لم تكن لتغنينا عن التسجيل المصور الذي تمّ بثه في نشرة الأخبار، لنشهد ربيعًا متفتح الأزاهير يخصنا نحن كعمانيين، ونشاهد تلك الابتسامة المطمئنة تعلو محياه البهي، والتي حملتني شخصيًا - متناسية تمامًا أجواء الربيع الإنجليزي في تلك اللحظة - إلى مهرجان الفروسية الذي أصبحنا ننتظره كل عام، لنبتسم معه، ونضحك معه، ونمتع أعيننا بجمال الخيل وروعة خلق الله فيها، ونستبشر بنواصيها التي عقد الخير فيها.

بعد كل مهرجان كنت أستجمع الطاقات الإيجابية ﻷتفكّر في هذا المخلوق البديع، وأحاول أن أستشف وأطبق الرمزيّة الجميلة لمعنى المهرجان المخصص لهذا المخلوق، فالجواد الأصيل رمز للعزة والإباء والعنفوان، وهو ﻻ يتوانى عن الجري بأقصى سرعة ليصل إلى الهدف الذي حدد له حتى وإن أصيب، وحتى وإن كانت إصابته مميتة، ووفاء هذا المخلوق لفارسه عجيب، لدرجة أنّ الحزن قد يفطر قلبه ويموت حزنا عليه، فأنا ﻻ أنسى "سحاب" فرس جدي الشيخ سويدان بن محمد بن سعيد البيضاء، التي فارقت الحياة في ثالث يوم بعد رحيل فارسها، وكما جاء في محكم كتابه العزيز في كثير من آياته، فقد خلق الله تعالى لنا الكون لنتفكر في كل شيء، من حيوان ونبات وجماد وغيرها، ونتأمل ونتعلم ونعمر هذه الأرض، نبني ونطور لنعيش ونترك الأرض آمنة لمن يأتي بعدنا.
لقد شكك الكثير عندما تطايرت الأنباء عن انعقاد مجلس الوزراء في العالم الافتراضي، ﻷنّه جاء في غير يومه المعتاد، وفي غير وقته المعروف، ولكنّه جاء حاملا لنا تلك الإيماءات المطمئنة بأنّ عمان وشعبها بإذن الله بخير، جاء في وقت تحتقن فيه الأجواء والبعثات والوفود في منطقتنا، جاء كما يأتي الغيث الذي نتلهف لسقياه بعد جفاف طويل، كم انتظرنا أنا نرى ذلك الكف يرتفع بتلك الحركة المعهودة، وكأنّه يربت على كتف كل عماني أبي، حاملة في هدهدتها السلام والطمأنينة، وأن قرّوا عينًا يا شعبي العزيز، فأنا لن أخوض بكم إﻻ أودية السلم، ولن أحلق بكم إﻻ في سماوات التقدم والازدهار والتطور، ولن أحرث أرض العالم بهممكم إﻻ ﻷغرس السلام العماني، الذي يرمي لخير الإنسانية جمعاء..

توقيع: "مكر مفر مقبل مدبر معًا.. كجلمود صخر حطه السيل من علٍ."

تعليق عبر الفيس بوك