صناديق التقاعد.. تأمين ضد أخطار!

هلال الزيدي

لا يختلفُ اثنان على قوَّة الكلمة على مرِّ العصور في مُختلف المجتمعات؛ فهي بمثابة العهد الذي يصل إلى الطرف الآخر وتكوين صورة واضحة عمَّا يدور في البيئة المحيطة من أحداث؛ بهدف إحداث تغييرات تتحقق من خلالها الأيديولوجيات المراد إيصالها. وبدورها، كانت وسائل الإعلام الجماهيرية وسيلة مهمة في بلورة تلك الأفكار، ومع التطور السريع للتقنية أصبحت الثقافة مولِّدًا رئيسيًّا في توجيه المجتمع بشتى احتياجاته، ومما لا شك فيه أنه لا غنى لمؤسسة ما لمنهج الكلمة مع الاشتراط أن تواكب مستجدات المرحلة ومتطلباتها.

لكن، ومع ظُهور هذه التقنية في ظل السماوات المفتوحة، أصبح كل فرد في المجتمع مصدرا للمعلومة؛ وبالتالي اختلطت الأجندة وضمُرت الفائدة من حيث مبدأ استغلال الوسيلة لتقديم رسالة يناط بها الشخص لا أن يهاجم الآخر، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعات بتنظيماتها المؤسسية. ومن هنا، حاولتْ بعض التنظيمات -خاصة تلك التي لها تأثير في أوساط العمل- أن تقوم باستنهاض الأفكار الداعية للإثارة في كسر بعض القوانين التي تقوم على حسابات مستقبلية في حقوق الأجيال، وهنا تتضح المفاهيم المغلوطة التي تتبناها تلك المجموعات في فهم الرؤى المستقبلية التي تقوم عليها تلك الأنظمة والقوانين.. فالكلمة هنا جاءت مقلوبة ضمن قراءة محدودة تهدف إلى تبديد ثروة مالية لا حق لها فيها في الفترة الراهنة.

ولو أسقطتنا تلك المفاهيم والأساليب على كيفية تكوين معرفة وثقافة حول الأنظمة التأمينية، فإننا نحتاج لتكوين صورة واضحة عن دور المؤسسات المساندة لدور الجهات التي تدير صناديق التقاعد؛ بمعنى: أنه لا بد أن تعي بعض المؤسسات دورها الحقيقي تجاه ترسيخ مفاهيم التأمينات الاجتماعية وآلية عمل صناديق التقاعد، خاصة تلك التي تحتضن العامل وقت الرخاء والشدة، من أجل تغيير مسار الثقافة تجاه الفهم المحدود نحو أهداف الأنظمة التأمينية، ولماذا وجدت؟ فهي مطالبة بتطبيق نظرية السلوك الذي يرسم جمال الحياة عبر العقائد والقيم والمبادئ التي تؤسس الحضارة؛ وذلك لتهيئة الفئات العمالية لصياغة قوانين تعتمد على الحاجة العصرية وليس رغبات تغيرية تكون وبالا في حق القادمين من بعدهم.

فالثقافة التأمينية علاقة ومنهج يقوم كلاهما على ارتكازات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية عند ربطها بالاختلافات في التركيبة السكانية ومتغيراتها، وهي تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي وفكري يهيِّئ الفئات المستهدفة من قبل المجتمع بأكمله؛ فالأستاذ الدكتور كمال رزيق أستاذ التعليم العالي بكلية الاقتصاد بجامعة البليدة بالجزائر قال: "لا يوجد تعريف خاص بالثقافة التأمينية إذ يمكن اعتبارها على أنها الدراية الجيدة بكل ما يتعلق بمجال التأمينات فكرا وممارسة، أو اعتبارها الإدراك الكامل للأخطار المحيطة بحياة الإنسان وممتلكاته والاقتناع بضرورة مواجهة هذه الأخطار، والفهم بأن التأمين هو أنسب وسيلة لذلك يجب أن يتحمله تكلفة قليلة عاجلة بدلا من مواجهة خطر لا يعرف حدوده أو مداه واقتناعه بأن يتم من خلال نظام تعاوني يفيد الفرد والمجتمع".

وفي ظلِّ التنمية الشاملة التي تشهدها السلطنة في مختلف القطاعات وعلى مسار التكامل الإنساني في دور الفرد؛ فقد قدمت المرأة رهانا ثابتا على دورها في المجتمع عبر مواقع عملها المختلفة، وساهمت مختلف البرامج الداعمة على تمكينها كشريكة أساسية في بناء المجتمع، ويعد القطاع الخاص فرصة وبيئة خصبة استطاعت من خلالها المرأة أن تكون كفة راجحة لكثير من المشاريع الاقتصادية، ولم يقتصر وجودها على الوظائف التقليدية وإنما أبحرت في خضم ريادة الأعمال لتدير مشاريع كبيرة تستقطب كوادر وخبرات شبابية أبدعت في عطاءاتها، يأتي ذلك من أجل إيجاد مجتمعات حضارية تواكب متغيرات الحياة ومستجداتها بما يوائم احتياجات المجتمع ومتطلباته؛ لذلك كان هذا التوجه أحد الأدلة في منح المرأة مكانتها بحسب الرؤى الحكيمة لمولانا صاحب الجلالة، فتناثرت القصص والنجاحات على امتدادات الموقع والموضع.

الأنظمة التأمينية بدورها ساهمتْ في هذا التمكين من خلال الحماية الاجتماعية التي توفرها ووفرتها للمرأة؛ فكثير من النساء استطعن الخروج من عباءة العمل الحكومي الذي قيد أفكار البعض على حد وصف إحداهن عندما قالت: "العمل الحر زاد من ثقتي بنفسي وأعطاني القوة في اتخاذ القرار؛ لذلك قرَّرت الاستغناء عنه والتفرُّغ لمشروعي؛ لأنَّ كلَّ المعطيات تدفعني للقيام بدوري لخدمة هذا المجتمع، هذا إلى جانب وضوح المستقبل أمامي عن طريق مظلة التأمينات الاجتماعية عبر نظام العاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم.

... إنَّ تمكين المرأة في المجتمع لا يكون في نجاح مشروعها فقط، وإنما باعتباره رافدا اقتصاديا في إنعاش القطاع وإتاحة الفرصة أمام الباحثين عن عمل في توفر فرص وظيفية كثيرة تعتمد على قوى وطنية 100% هذا إلى جانب انتعاش القطاعات الأخرى المرتبطة بالاقتصاد كالقطاع السياحي الذي يعد مولدا ومستقطبا رئيسيًا للمرأة في السلطنة.

تتطوُّر الأنظمة التأمينية وقوانين العمل بناءً على حاجة المجتمع ونموه في مختلف مجالات الحياة؛ فالقوانين المنظمة لحقوق العمّال وما تمثله من أهمية في مسار العمل تتمتع بفاعلية ومرونة في الوقوف على احتياجات العمّال لكل مرحلة من مراحل التغيير البشري والاقتصادي، وبدوره يكون العامل كفئة مستهدفة المولد المهم في تحديث هذه الأنظمة وتثبيت رسوخها بما يوافق المستقبل وبما يكفل حقوق الجميع، لا سيما الأجيال القادمة.

همسة: ليس من السهل التوقف بعد الذهاب عميقا في مجاري العروق.. وليس من السهل جدًّا الرجوع بعد التقدم إلى الأمام.. فالحياة إقدام وليست إحجامًا.

* كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك