"صندوق النقد" يؤكد زيادة المخاطر المحيطة بالاستقرار المالي العالمي.. ويحث على التحرك العاجل لمعالجة الآثار الجانبية

مسقط - الرؤية

أشار تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة المخاطر المحيطة بالاستقرار المالي العالمي مقارنة بالوضع في أكتوبر الماضي، وانتقلت داخل النظام المالي إلى قطاعات تجعل تقييم المخاطر ومعالجتها مهمة أصعب.

ورصد التقرير زيادة في المخاطر المحيطة بالاستقرارالمالي في سياق تعافٍ اقتصادي محدود وغير متوازن - مع معدلات تضخم شديدة الانخفاض في كثير من البلدان، وأدى تباين النمو والسياسات النقدية عبر البلدان إلى تكثيف التوترات في الأسواق المالية العالمية وحدوث تحركات سريعة ومتقلبة في أسعار الصرف وأسعار الفائدة على مدار الستة أشهر الأخيرة، طبقا لصندوق

النقد الدولي.

ويرجع هذا الوضع، في جانب منه، إلى تركة الإصلاح الضعيف وغير المكتمل للميزانيات العمومية في قطاع الشركات. ويُلاحَظ أيضا انتقال مركز المخاطر - من البنوك العادية إلى بنوك الظل، ومن مخاطر الملاءة إلى مخاطر سيولة

السوق، ومن الاقتصادات المتقدمة إلى الأسواق الصاعدة.

وفي هذا الصدد، يقول هوزيه فينيالز، المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والراسمالية بالصندوق، إن "التحرك العاجل ضروري على المستوى العالمي وكذلك في كل بلدان بعينها."، وفي ضوء هذه التطورات، يجب أن تتصدى البلدان لخمسة تحديات رئيسية لضمان استقرار الاقتصاد العالمي.

الحاجة إلى التيسير الكمي

وأول تحد يتعلق بتعزيز أثر السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة، مع معالجة الآثار الجانبية غير المرغوبة التي تترتب على انخفاض أسعار الفائدة. وقد انتهج البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان سياسة نقدية لمواجهة الضغوط الانكماشية الجديدة، كما ظهرت دلائل ملموسة على نجاح برامج "التيسير الكمي". وتراجعت تكاليف التمويل في منطقة اليورو، بينما حدثت طفرة في أسعار الأسهم، وانخفاض كبير في سعر صرف اليورو والين، مما ساعد على دعم التوقعات التضخمية.

غير أنّ على المسؤولين استكمال هذه الإجراءات بتدابير أخرى - أو "سياسات تيسير كمي معززة" - والا فلن تنجح السياسة النقدية في تحقيق أهدافها بفعالية تامة.

ويتطلب هذا في منطقة اليورو إزالة العوائق من قناة الإقراض المصرفي عن طريق تسوية رصيد القروض المتعثرة الذي يبلغ 099 مليار يورو. ولما كانت البنوك المحملة بقدر أكبر من القروض الرديئة تميل إلى تقليص أنشطة الإقراض، ينبغي تخفيض المستوى المرتفع للقروض المتعثرة. وما لم تتخذ إجراءات أخرى في هذا الخصوص، فستبلغ طاقة الإقراض المصرفي نسبة ضئيلة لا تتجاوز 1 أو 2% في المتوسط سنويا. وينبغي لصناع السياسات تشجيع البنوك على التعامل مع قروضها الرديئة وضمان وجود أطر قانونية ومؤسسية أكثر كفاءة للتعجيل بهذه العملية.

وفي اليابان، تعتمد فعالية التيسير الكمي على المثابرة في تنفيذ السهمين الثاني والثالث في جعبة سياسة "آبينوميكس" الاقتصادية، وهما إصلاحات المالية العامة والإصلاحات الهيكلية. وما لم يتم استكمال هذه الإصلاحات، فإن نجاح الجهود المبذولة لانتشال الاقتصاد من دائرة الانكماش سيصبح احتمالا أبعد.

أما في الولايات المتحدة، ليس من المضمون أن يتحقق السيناريو الأساسي الذي يتوقع عودة السياسة النقدية الطبيعية بصورة سلسة. وينبغي أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي العمل على تحديد الوتيرة الصحيحة للتخلي عن السياسة النقدية الاستثنائية وأن يستمر في الإفصاح الواضح للجمهور عما يطرا من مستجدات في هذا الخصوص. ولكن احتمال ظهور تعقيدات في الطريق يظل قائما بالنظر إلى الاختلافات بين آراء السوق والآراء الرسمية فيما يتعلق باحتمالات التضخم. ويمكن أيضا أن تؤدي السرعة في توسيع فروق العائد إلى زيادة التقلب بما يستتبعه ذلك من تداعيات عالمية.

التعامل مع الانخفاض

ويتمثل التحدي الثاني في كبح التجاوزات المالية الناجمة عن أسعار الفائدة التي طال انخفاضها. ففي حالة الشركات الأوروبية الضعيفة العاملة في مجال التأمين على الحياة، على سبيل المثال، يمكن أن تتزايد مخاطر العسر المالي إذا استمرت أسعار الفائدة المنخفضة مع عجز ما يقرب من ربع شركات التأمين في المستقبل عن الوفاء بنسبراس المال الإلزامية المحققة للملاءة. ونظرا لأن شركات التأمين على الحياة لديها محفظة أصول في الاتحاد الأوروبي بقيمة 4.4 تريليون يورو، ومع الترابط الكبير والمتزايد مع النظام المالي الأوسع، فإن شركات التأمين الضعيفة تمثل مصدرا محتملا للتداعيات، وهو مثال مهم يوضح انتقال المخاطر من البنوك إلى المؤسسات غير المصرفية.

وفي هذا السياق، قال السيد فينيالز: "من المهم للغاية ألا تتحقق هذه المشكلات المحتملة المتعلقة بالملاءة. فينبغي معالجتها على أساس استباقي من خلال سياسات السلامة الاحترازية الملائمة على المستويين الكلي والجزئي."

الأسواق الصاعدة

أمّا التحدي الثالث فهو الحفاظ على استقرار الأسواق الصاعدة التي أصبحت محصورة بين تيارات عالمية متقاطعة بينما تواجه مواطن ضعف في الداخل. ويستفيد العديد من هذه الاقتصادات من انخفاض أسعار السلع الأولية وتراجُع الضغوط التضخمية. غير أن هناك مخاطر أكبر تواجه البلدان المصدرة للنفط والسلع الأولية، وكذلك قطاعات السوق المثقلة بالقروض. وبالإضافة إلى ذلك، تتسبب حدة ارتفاع الدولار الأمريكي في مخاطر إضافية بالنسبة للشركات والبلدان ذات المديونية الكبيرة بالعملة الأجنبية.

ويمكن تعزيز المرونة المالية من خلال تدابير للسلامة الاحترازية على المستويين الجزئي والكلي. فينبغي أن تجري الأجهزة التنظيمية اختبارات لقياس تحمل البنوك للضغوط ذات الصلة بمخاطر العملة الأجنبية وأسعار السلع الأولية، وأن تراقب بمزيد من الانتظام والتدقيق مستوى الرفع المالي في الشركات ومدى الانكشاف لمخاطر النقد الأجنبي، بما في المراكز المتخذة في المشتقات المالية.

مخاطر جغرافية- سياسية لا يمكن التنبؤ بها والتحدي الرابع هو التكيف مع التوترات الجغرافية- السياسية في روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا، وكذلك المخاطر التي تواجه اليونان.

وهم سيولة السوق

وأخيرا، يمكن أن تزداد صعوبة التعامل مع أي من هذه التحديات إذا أصبحت الأسواق غير سائلة. وقد تكون السيولة كافية في الأسواق في فترات الرخاء، لكنها قد تنضب بسرعة عند تعرض الأسواق للضغوط، مما يضخم تأثير الصدمات على الأسعار. وقد زاد الارتباط بين الأسواق في فترات انعدام السيولة التي أعقبت الأزمة، مما زاد احتمال العدوى، وهو ما يرجع في الأساس إلى التحول نحو التداول الإلكتروني عالي التردد، وتراجع أنشطة صناعة السوق، وزيادة استخدام المؤشرات القياسية.

مزيج كبير من السياسات لمعالجة تصاعد المخاطر وانتقال مركزها مع تصاعد المخاطر وانتقال مركزها، يصبح من الضروري اتخاذ تدابير إضافية على مستوى السياسات - بخلاف السياسات النقدية- للخروج من الأزمة المالية العالمية على أساس دائم وحماية الاستقرار المالي.

ويجب على صناع السياسات معالجة التركة التي خلفتها الأزمة، فينبغي تعزيز أثر السياسة النقدية واحتواء التجاوزات المالية، كما ينبغي أن يعمل صناع السياسات على دعم سيولة السوق واستكمال اصلاحات التنظيم المالي.

تعليق عبر الفيس بوك