قراءة نقدية للمادة (4) من قانون الجنسية العماني رقم 38/2014

حب الأوطان دليل الإيمان، وبناؤها سبيل الإتقان، ورفعتها طريق الإحسان لاغرو أن الإنسان يتعلق بوطنه تعلق الطفل بوالديه ويحن إليه حنين الطائر إلى وكره، فلا يخرج منه إلا مكرها، ولا يغادره إلا مضطرا.

ألم يجعل الحق سبحانه وتعالى الإخراج من الأوطان، بمثابة سفك الدماء سواء بسواء، قال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ).

بل إنّ الإنسان أهون عليه أن يقتل، ولا يخرج من أرضه ووطنه وأهله وأحبابه.

فحب الوطن غريزة فطرية في النفس البشرية بل والبهيمية، فقد قيل إن: الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بعيدا، والطير إلى وكره.

فحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا ُهجم، ويغضب له إذا انتُقص.

لذلك يعد موضوع الجنسية أمرًا في غاية الأهمية ودقيق جدًا، لذلك عني به التشريع والفقه والقضاء في جميع الدول، إذ درس إثباته ومبادئه وقواعده. وقبل أن نخوض في موضوع الجنسية، والمادة التي نحن بصدد الحديث عنها، حري بنا أن نتعرف على مفهومها حيث تعرف الجنسية بأنها رابطة قانونية وسياسية تربط الفرد بالدولة، وتجعله أحد أفراد شعبها فهي ركن الشعب في الدولة ولهذا كانت الجنسية من المسائل المهمة التي تعتمد عليها الدولة في استمرارها ووجودها، وعليه فانعدامها عن الفرد من أكبر المشكلات، وأعظم المعضلات. ونظرًا لأهمية ما سبق، سنسلط الضوء في هذا المقال على موضوع الجنسية وبالتحديد نص المادة 4 من المرسوم السلطاني رقم 38/2014 التي تنص على " لا تختص المحاكم بالنظر في مسائل الجنسية والمنازعات المتعلقة بها" وذلك لما لها من أهمية كبيرة، وما فيها من خطورة بالغة عند تطبيقها.

من خلال القراءة النصية لنص المادة 4، يتضح فيها أن المقنن منع جميع المحاكم في السلطنة سواء في القضاء العادي أو القضاء الإداري، من النظر في جميع مسائل الجنسية وحتى المسائل الخطيرة مثل الإسقاط والسحب، التي تتعلق بآدمية الإنسان وحياته، بل تعلو في الأهمية على بقية الحقوق التي نجد أن المقنن هيأ جميع السبل والوسائل، بما فيها القضاء ليضمن حمايتها، بينما منع القضاء من الاختصاص في مسائل الجنسية وهذا أمر يحتاج إلى مراجعة فورية وعاجلة؛ لأنّ النظام الأساسي في المادة 25 نص على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة. ومنها سوف أوضح خطورة هذه المادة والسبب وراء طلب مراجعتها من قبل المختصين.

تتجلى خطورة هذه المادة في أن بعض مواد قانون الجنسية الجديد وخاصة نص المادة 20 و21 تضمنت إسقاط وسحب الجنسية من المواطن بحيث بلا الجنسية فلا يوجد ضابط للتأكد من تطبيق النص وعدم إساءة وتعسف السلطة في تطبيق النص لاسيما وأن القضاء منع من الاختصاص في هذه المسائل. إن اختصاص القضاء في نظر دعاوى الجنسية، أصبح أمرا مسلما به عند فقهاء القانون الدولي الخاص، وهذا حق مقرر قانونا وهو يقضي وجود دعوى تحميه، ولا يصح القول بسيادة الدولة إلا في مرحلة التشريع ولكن عند تطبيق الإدارة لقانون الجنسية يجب أن يختص القضاء بالتأكد من التطبيق السليم والصحيح للقانون. وأيضا عدم اختصاص القضاء بالنظر في مسائل الجنسية، هو هدم لأهم الضمانات التي يجب أن يحصل عليها الفرد، لضمان حفظ جنسيته،كما أنها وبطريقة أخرى تسمح للسلطة بالتعسف والانحراف في تطبيق القانون الذي يحمل بين طياته الكثير من النصوص الغامضة والفضفاضة والواسعة التفسير.

إن المطالبة باختصاص القضاء في مسائل الجنسية ليست بالأمر الغريب، حيث إن أغلب الدول العربية مثل العراق، والدول الأجنبية مثل فرنسا تجعل القضاء سواء كان القضاء العادي أو القضاء الإداري مختصا بالنظر في مسائل الجنسية ولا تعتبر مسألة الجنسية من المسائل المتعلقة بالسيادة بل نجد القضاء يتدخل حتى في المسائل التي يمنح القانون فيها سلطة تقديرية للسلطة وذلك للتأكد من عدم تعسفها وإساءتها وانحرافها عن الصلاحيات الممنوحة لها.

من المفترض أن يكون مبدأ حرية الدولة في تشريع جنسيتها مقيد بالاتفاقيات والأعراف الدولية والتي جميعها تحارب ظاهرة انعدام الجنسية .حيث إنّ أغلب الاتفاقيات الدولية تسعى إلى أن يحتفظ الإنسان بجنسيته التي هي من أهم حقوقه التي تسعى كل الاتفاقيات الدولية للوصول إليها وتحقيقها. وعليه فإن تجريد الإنسان من جنسيته، دون أن يكون قرار التجريد مسببا، مع عدم أحقية الفرد بالطعن في قرار التجريد أمام القضاء، وعدم تأكد القضاء من التطبيق السليم والصحيح للقانون، لهو بمثابة دفن الإنسان وهو على قيد الحياة، وإسقاط لآدميته. وعليه اتجهت أحكام القضاء في أغلب الدول،إلى عدم الاعتراف بالتجريد التعسفي، من الجنسية واعتبرته إجراءً غير مشروع من الناحية القانونية.

ولهذا سعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان لتؤكد هذا الحق، حيث نصت على أن " لكل فرد الحق في أن تكون له جنسية، ولا يجوز حرمان أحد تعسفا من حقه في تغيير جنسيته، وعلى الدول أن تضع ضمانات لمنع انعدام الجنسية بمنح جنسيتها للشخص المولود في إقليمها أو المولود خارج إقليمها لأحد الوالدين من رعاياها والذي يكون لولا ذلك عديم الجنسية وعلى الدول أيضا منع حالات انعدام الجنسية عند فقدان الجنسية أو الحرمان منها".

فهنا تأكيد واضح على وجوب التزام الدول بأن تضمن تشريعاتها كل الضمانات لمحاربة ظاهرة انعدام الجنسية ولا شك أن من أهم الضمانات لمحاربة هذه الظاهرة هي ضمانة القضاء.

إن بعض تشريعات الدول العربية بما فيها السلطنة، تنص ومع الأسف في حالات معينة على حق الدولة في تجريد مواطنيها من جنسياتهم، سواء بالإسقاط أو السحب فعلى سبيل المثال المادة 21 و20 من قانون الجنسية العماني رقم 38/2014" تنص على أن تسقط الجنسية العمانية عن العماني إذا ثبت أنه 1- ينتمي إلى جماعة أو حزب أو تنظيم يعتنق مبادئ أو عقائد تضر بمصلحة عمان"2......3-........ ويمكن رد مختلف أسباب التجريد في قانون الجنسية العماني، سواء كان بالإسقاط أو السحب إلى فكرة جوهرية، وهي القيام بأعمال تقطع في الدلالة، من وجهة نظر الدولة عن عدم ولاء الفرد، وعدم صلاحيته لأن يكون عضوًا في الجماعة الوطنية أو انفصاله الكامل عن هذه الجماعة. وهنا حتى عند قيام الفرد بعمل يدل من وجهة نظر الدولة عن عدم ولاء الفرد مما يستحق التجريد ولكن لهذا التجريد نتائج بالغة الخطورة بالنسبة للفرد لذا توجب الكثير من تشريعات الجنسية أن يكون قرار التجريد مسببًا كما يحق للفرد الطعن في قرار التجريد الخطير أمام القضاء.

تجدر الإشارة إلى عدم امتداد آثار التجريد خصوصًا على المواطن الأصلي أي صاحب الجنسية الأصلية وليس المكتسبة إلى التابعين من أفراد أسرة الشخص حيث إن التجريد من الجنسية يحمل معنى العقوبة التي يتعين أن تكون شخصية. وهنا نود أن نشير إلى أنه في حالات الضرورة القصوى إذا لم يكن هناك بد من لجوء الدولة إلى تجريد الفرد من الجنسية العمانية، فإنه حقيق بالدولة مع ذلك أن تتأكد من إمكان اكتسابه لجنسية دولة أخرى قبل صدور قرار التجريد، فإذا تبين عدم إمكان اكتساب الفرد جنسية أخرى فإنه حري بالدولة حينئذ العدول عن قرار التجريد للمواطن صاحب الجنسية الأصلية الذي اختلط دمه بتراب وطنه منذ الولادة، وذلك درءًا لانعدام جنسية الشخص وهنا لا يضر الدولة أن تستعيض عن التجريد بإجراءات أخرى لعقاب الذي يظهر بمظهر عدم الولاء مثل السجن والغرامة والمنع من ممارسة بعض الحقوق لفترة زمنية محددة، دون إقصائه عن الجماعة والإلقاء به كعبء على الدول الأخرى التي ليست ملزمة بإيوائه.

مما تقدم، نوصي المقنن بضرورة إعادة النظر في نص المادة (4) من قانون الجنسية وتعديله، بحيث يصبح القضاء مختصا بجميع مسائل ومنازعات الجنسية، كضمانة رئيسية بما يتفق مع حق الإنسان في الجنسية،حتى يواكب قانون الجنسية العماني الاتجاه العالمي المتزايد في حماية حقوق الإنسان بشكل عام وحق الجنسية بشكل خاص وبما يتوافق مع المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان التي تكون السلطنة طرفا فيها. لذلك من الضروري أن يكون قرار التجريد مسببا سواء كان بالإسقاط أو السحب ولابد من مراقبة القضاء لهذا القرار من ناحية المشروعية ومطابقة نص القانون ويتأكد من عدم إساءة وانحراف السلطة في استعمال سلطتها وذلك للتخفيف من حد عقوبة التجريد التي تحرم الفرد من آدميته.

بدر جمعة المسكري

مدرس القانون الدولي الخاص بجامعة السلطان قابوس كلية الحقوق

تعليق عبر الفيس بوك