الحريات وحدودها

مدرين المكتومية

لطالما ظلّت قضية الحريات من القضايا الشائكة والتي تختلف من عصر إلى عصر ومن بلد إلى بلد. جميعنا نحتاج إلى الحرية، وقد جاءت الأديان والنظريات الفلسفية والسياسية لتنظيم مسألة الحريات ولتبعد المجتمعات عن شبح الغموض وقانون الغاب. كما جاء النظام الأساسي للدولة لينظم ويحفظ الحريات بمختلف أشكالها مثل حرية التعبير وحرية التملك والتنقل وغيرها من الحريات الأخرى. وتأتي القوانين لتنظم هذه الحريات ضمن الحدود التي يسمح بها المجتمع دون تجاوز للخطوط الحمراء التي من شأنها أن تقلب الأمور وتُغيِّر النمط التفكيري لمفهوم الحرية إلى الإساءة. فلا يوجد شيء اسمه حرية مطلقة في أي مجتمع مدني. فحرية التعبير مكفولة ولكن عندما تتجاوز التعبير إلى الإساءة تصبح جريمة فالتشهير جريمة و"الإساءة " وكذلك الحال أيضاً مع "التجني" وغيرها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون... ومن هنا فعلينا أن نتعلم ثقافة الحرية فهي ليست فوضى نتعامل معها كما نتعامل مع حجر النرد.

إننا نعيش في عالم مترامي الأطراف، ونتواصل عبر وسائل تكنولوجية سريعة جعلت الأمر يصبح أشبه بعالم العجائب الذي عاشته "أليس" أو بأسرة واحدة بمختلف الاتجاهات والتوجهات والقرارات، ففي ذلك أذكر عبارة قالها لي أحدهم "إن الحرية التي نعيش بها هي الحرية المطلوبة وفي حدود المعقول ولو أننا سمحنا لأنفسنا بتجاوزها حينها ستعم الفوضى وينعدم النظام كما حصل مع العديد من الشعوب الذين آل بهم الحال إلى الحروب الداخلية والخروج للتظاهر بشكل مستمر" ومن هنا فإنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يتم بوعي لأن البعض يسيء الاستخدام خاصة وأننا نعيش في زمن فتن وطائفية، فقد لعبت هذه الوسائل دورا كبيرا في قراءة أفكار الناس والتعرف على توجهاتهم الحياتية، فهذا الاندماج ساهم في ظهور حريات تجاوزت الخطوط، وظهر أيضًا من جانب آخر جيل لا يفهم ولا يفقه معنى الحرية وما تكفله، بل تجاوزها لمرحلة التشهير والسب والبحث والتقليب في خصوصيات الأشخاص، والمشاركة في أيّ شيء مسيء هو الأمر الذي أنعكس على مفهوم الحرية لدى الكثير من الشباب، الذين استهوتهم الشهرة والفلورز واللايكات والمتابعات عبر وسائل التواصل بمداخلاتهم وكومنتاتهم المعاكسة أو التي تحمل بداخلها الإساءة.

تبقى الحرية وسيلة للتعبير عن الرأي وللتعبير عن الشخص، ولكنها مسألة تحتاج إلى حذر وحدود نحن من نفرضها على أنفسنا، وفي اعتقادي أنّ الحرية التي نطالب بها كمجتمع متاحة ولكنها تتوقف على الشخص نفسه وعلى قناعاته الشخصية ، تظل الحريات قضية شائكة من قضايا المجتمعات، وتتفاوت وتزداد من مرحلة لأخرى ومع تطور قضايا العصر وتغير المستوى الاجتماعي والفكري والثقافي لدى المجتمع، وتأثره بالمجتمعات الأخرى، والانفتاح على العالم، حتى السفر والتنقل أصبح يعتبر حرية وحقاً لكل فرد، ولكن يبقى التحدي هو التأثر بالمجتمعات الأخرى، والتحيز للحياة فيها، ونبذ المجتمع الذي نعيش عليه بمفهوم "الحرية" ، فكما قيل : " الدعوة للحرية ليس معناها دعوة للانفلات والفوضى والهمجية، الحرية قيمة عظيمة ولكن القاعدة: أنت حر ما لم تضر".

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك