مختصون: الصم يحتاجون إلى الدمج في المجتمع أكثر من احتياجهم لرعاية صحية خاصة

◄ الحربي: على الجهات المختصة أن تبادر إلى تكييف المناهج الدراسية لتناسب الصم

◄ المرجان: لدى كل أصم طاقات خاصة ورغبة قوية في الإنتاج والمساهمة في بناء المجتمع

◄ الجهورية: حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة تضيع أحيانا في زحام قضايا المجتمع

◄ الشيادي: تجاهل الصم وعدم الاهتمام بالتواصل معهم يصيبهم بالعُقد النفسية والاجتماعية

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

أجْمَع عددٌ من المختصِّين والتربويين على أنَّ نشر ثقافة الاهتمام بتعلم لغة الإشارة بات ضرورة مُجتمعية للتخفيف من العزلة الاجتماعية التي تُحاصر الصم، وتسهيل حصولهم على الخدمات في كلِّ مكان، ومنحهم مزيدًا من الفرص للتعبير عن أنفسهم لمن يرغبون في التواصل معه، وعدم الاكتفاء بالتحاور فيما بينهم فقط. وأشاروا إلى أنَّ الصم يتميَّزون بقدرات خاصة ورغبة قوية في المساهمة في بناء مجتمعاتهم، واستدلوا في ذلك بنموذج هيلين كيلر التي تمكَّنت من مُمارسة كلِّ حقوقها وتعلم العديد من اللغات والعلوم، رغم أنَّها كانت لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم.

وعرَّفتْ سلمى اللواتية رئيسة فريق دعم الصم "صدف" مستشارة مجلس إدارة الجمعية العمانية لذوي الإعاقة السمعية، اﻷصم بأنَّه من فقد السمع بصفة جزئية أو كلية؛ سواء كان ذلك لمرض أم عرض كحادث أو غيره؛ وبذلك فقد القدرة على النطق والكلام؛ أي أنَّه فقد اللغة المسموعة التي تتحوَّل إلى منطوقة ويتحدث بها السامعون، وهو الشخص الذي فقد التواصل مع من حوله من الناطقين، ويستعيض عن هذه اللغة بلغة الإشارة.. موضحة أنَّ أكثر ما يعانيه اﻷصم هو فقدان التواصل بشكل اعتيادي مع المجتمع من حوله، وهو ما يجعل تلبية مطالبه واحتياجاته أكثر صعوبة، ولكل مجتمع تحديات مختلفة كالحصول على وظيفة تحقق له الحياة الكريمة وحاجته للتعليم ومتعلقة بالاتصالات؛ فهي تحديات تواجه المجتمعات التي تسعى للتنمية كي تحقق العدالة في تلبية المطالب لجميع أطيافها دون تفرقة، ولتحقق للجميع الرفاهية على حد سواء.

الدمج في المجتمع

وتابعتْ اللواتية بأنَّ اﻷصم ليس بحاجة إلى رعاية صحية خاصة، ويصنَّف اﻷقرب للأشخاص العاديين من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه بحاجة إلى أنْ يندمج مع مجتمع الناطقين المحيط به، ولا يتحقق ذلك إلا بنشر ثقافة تعلم لغة الإشارة والتي ستجعل حياتهم أسهل، خاصة حال توفر المتحدثون بها في المنافذ الخدمية؛ سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو في قطاع البنوك والقطاع الصحي.. وتساءلت: كيف يكون الوضع إذا كان المريض أصم وﻻ يتوافر في العيادة أو المركز الصحي من يتحدَّث بلغة الإشارة.. لافتة إلى أنَّ مراكز الاتصال التي يتوافر فيها موظفون قادرون على التحدث بلغة الإشارة حل مناسبا يلجأ إليه اﻷصم أينما وجد. وأكدت أن ما تقدِّمه الجمعية العمانية لذوي الإعاقة السمعية للصم ليس تمنينا، ولكنه حق الصم الطبيعي كمواطنين، وفي المقابل فإنَّ الجمعية حريصة على أن يُؤدُّوا واجباتهم تجاه الوطن في مختلف المجالات والميادين، فهم يُشاركون متى سنحتْ لهم الفرصة، خاصة وأنَّ لهم أنشطة تطوعية كحملات تنظيف الشواطئ التي ينظمونها وينفذونها بأنفسهم، كما أنهم يشاركون في الانتخابات العامة للمجالس البلدية ومجلس الشورى، ولهم آراؤهم في مختلف القضايا.

وأشارتْ اللواتية إلى أنَّ نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة أصبحت أكثر إيجابية وإنسانية من السابق، لكن ما زلنا بحاجة كمجتمع إلى نتحمل مسؤولياتنا تجاه الصم من خلال التوعية بقضاياهم والاهتمام بالتواصل معهم عبر تعلم لغة الإشارة التي تعتبر أقصر الطرق لنتشارك جميعا في بناء وتنمية المجتمع.

ومن جانبه، قال مُحمَّد بن خميس الحربي القائم بأعمال المعلم الأول في مادة الرياضيات بمدرسة الأمل للصم: إنَّ فئة الصم تصنيف عالمي أطلق على فاقدي السمع وضعافه، وهم ليسوا فئة قليلة، وإنما جمع غفير في المجتمعات العربية التي تحاول أن تهتم بهم دون معرفة السبيل الحقيقي للارتقاء بهذا الجمع الغفير؛ وذلك بهدف التوظيف الخاطئ للإمكانات المادية والعلمية، وينقص هذا الجهد الإصرار على وضع اليد على موضع الجرح الحقيقي من أجل علاجه.

تعديل المناهج التعليمية

وأضاف الحربي بأنَّ الصم هم جزء من المجتمع، يجب أن يشارك في الارتقاء به وتقدمه، وأن نزرع في نفوسهم أنهم عماد الوطن، بهم ترتقي الأوطان وعلى أكتافهم تتقدم، حالهم حال عامة المجتمع.. والخطوة الأولى لتحقيق ذلك إيجاد مجال تعليمي يناسب الصم، المتمثل في تنمية الركيزة البصرية عند الطلاب الصم والاستفادة منها في مجالات مهنية متعددة يبدع فيها الأصم؛ بحيث يشعر بانغماسه الروحي في هوايته المفضلة؛ سواء كانت الرسم والزخرفة والخط العربي وممارسة بعض الصناعات وتأهيله عملياً وعلمياً بما يعود عليه بالنفع وإثبات الذات؛ وبذلك فإنَّ العلاج الحقيقي للأصم بتسخير كل الإمكانات المادية للوصول إلى هذا الهدف.

وعن الجانب التعليمي، قال الحربي إنَّ الطالب الأصم يدرس نفس المناهج التي يدرسها الطلاب الأسوياء، مُتناسين أنها فئة تعاني من الصم وتنقصها جوانب في الشرح تؤثر على ثبات المحتوى التعليمي في ذاكرتهم، وهو ما يستوجب من أصحاب الشأن من الخبراء ومعدي المناهج أن يضعوا مناهج مناسبة للصم، تُعالج الآثار والنواقص الناتجة عن وجود هذه الإعاقة.

وأكد عدنان بن نصيب بن فرج المرجان إخصائي اجتماعي بمدرسة الأمل للصم، أنه بالرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة ومؤسساتها للاهتمام ودعم فئة ذوي الإعاقة السمعية (الصم)، إلا أن هذه الفئة لا تزال تعاني من صعوبة التكيف مع المجتمع، خصوصا وأن المجتمعات العربية بحاجة إلى يقظة لمواجهة تحديات الإعاقة السمعية، وأن المسافة بين الصم والمجتمع أصبحتْ بعيدة جدا بسبب فقدان التواصل بينهم، وفي كثير من المجتمعات العربية يجري تجاهل الشخص الأصم مما يصيبه بالإحباط، رغم تزايد مشاكل السمع في المجتمعات العربية بسبب العامل الوراثي الناتج عن زواج الأقارب.

وأوضح المرجان بأنَّ من أهم الخدمات التي لابد من توفيرها لفئة الصم هي الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية والتعليمية والمهنية.. مؤكداً أنَّه من خلال عمله في مجال التربية الخاصة، لمس أنَّ الصم لديهم طاقة ورغبة قوية في الإنتاج والمساهمة في بناء المجتمع.

وأكَّد علي الشيادي أنَّ الصم يعانون من بعض التحديات التي تتطور لتصبح مشاكل تحتاج إلى حلول جذرية وسريعة؛ ومنها: عدم القدرة على التخاطب مع بعض الفئات، خاصة أولئك الذين لا يفقهون شيئا من لغة الإشارة أو التخاطب مع الأصم، وهذه المعضلة تزداد تعقيدا لتكون عائقا أمام فهم الأصم وما يريده.. مشيرا إلى عدم تقبل البعض للصم في بعض المجتمعات. وعلى الرغم من أنَّها ليست ظاهرة، إلا أنها تساهم بشكل كبير في زيادة العُقد النفسية والاجتماعية.

تجاوز الإعاقة

وقالت شيخة الجهورية: إنَّ الصم من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تضيع حقوقهم في زحام قضايا بعض المجتمعات أحيانا، ولا يجدون الاهتمامَ الكافي بتوفير متطلباتهم في المدارس الخاصة المناسبة لقدراتهم، وأن يكون لهم الحق في دخول الجامعات والكليات والمعاهد لتعليمهم وتوفير حياة كريمة دون الاعتماد على أحد، وأن يتم تخصيص مبلغ من الحكومة يُعينهم على الحياة. ويجب على المجتمع أن يكون على علم بالتحديات التي تواجه ذوي الاحتياجات العامة وبصفة خاصة الأصم، وتشجيعهم على تجاوز إعاقتهم بمعاونة مختلف منظمات المجتمع المدني.

وأشارت الجهورية إلى قصة هيلين كيلير الأمريكية التي كانتْ تعاني من ثلاث إعاقات، لا تبصر ولا تسمع ولا تتكلم، لكنها تحدَّت كل الصعاب وأصبحت أحد النماذج الشهيرة في تحقيق الذات والنجاح، والوصول إلى أعلى المراتب في العمل والثقافة والعطاء. وتمكنت رغم الإعاقة أن تدرس الحساب، والجغرافيا، والفلسفة، وعلمي الحيوان والنبات، وأن تتقن الفرنسية والألمانية، واللاتينية واليونانية، إلى جانب الإنجليزية. وأصبحتْ تحاضر في الجامعة وتكتب للصحف وتؤلف الكتب وتجيد ركوب الخيل والسباحة والتجديف وقيادة القوارب الشراعية والدراجات، إلى جانب اهتمامها بالمعوقين، وسفرها الدائم من أجل جمع التبرعات لهم.

واختتمت حديثها بقولها: إن هلين مثالٌ حيٌّ يؤكد أن للمعوقين حقوقًا في التعليم وقدرات خاصة لتحقيق ذواتهم.

تعليق عبر الفيس بوك