عفوًا سيادة الرئيس مساحيقك الرخيصة لا تخفي معالم سياساتك الدميمة

عبيدلي العبيدلي

إذا تابعنا أنشطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وتصريحاته في الفترة الأخيرة فسنجد أنها تخاطب جهات ثلاث أساسية هي" العرب وعرب الخليج تحديدا، وإيران، وإسرائيل.

فملخص مقابلته مع الصحفي الأمريكي ثوماس فريدمان تضمن تطمينا مبهما عن استعداد الولايات المتحدة لتوفير الحماية للعرب في حال تعرّضهم لعدوان إيراني، وحثهم على الالتفات نحو مشكلاتهم الداخلية. جاء ذلك في قوله إنّه "يتعين على القادة الخليجيين التعامل مع سخط الشبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم (متسائلا حول إمكانية تعزيز) الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان، أنّ لديهم شيئا آخر يختارونه غير (داعش).

وأتبع ذلك بتصريح أدلى به مستشار الرئيس الأمريكي باراك لقناة "العربية"، ألمح فيه إلى "إن بلاده ستدافع عن دول الخليج العربي إذا اعتدت عليها إيران.
يأتي ذلك في ظل تصاعد دور إيران في المنطقة، وتنامي نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، في إطار تحقيق توسع إقليمي جديد يهدد أمن الخليج، ويشكل خطراً على دول المنطقة كافة".

على نحو مواز وفي المقابلة ذاتها، أكد أوباما "أنّه مستعد لتقديم التزامات من شأنها أن تحمي إسرائيل، وأيضًا إيران، إذا تعرضت لهجوم من قبل إسرائيل أو أي بلد.
وأوضح الرئيس الأمريكي أنّ الولايات المتحدة ستقف مع الجانبين".

في الوقت ذاته سارع أوباما إلى دعوة القادة الخليجيين لعقد اجتماع قمة معهم في منتجع كامب ديفيد الرئاسي، "من أجل تعزيز التشاور والتنسيق بين دولهم والولايات المتحدة في مواجهة التحديات في المنطقة، ولمناقشة قضايا منها مخاوف هذه الدول بشأن الاتفاق النووي".

إذا حاولنا تفكيك ما جاء في المقابلة، وما رافقها من تصريحات وأنشطة سنكتشف أنّها تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم الاستراتيجيّة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يمكن إجمال الأهم منها في النقاط التالية:

1- ضمان سريان مفعول الاتفاق الذي تمّ في لوزان بشأن المفاعل النووي الإيراني بين طهران ومجموعة (5 + 1)، والذي خرجت منه جميع الأطراف منتصرة. فإيران ضمنت الاستمرار في تطوير أبحاثها النووية للعشر سنوات القادمة، مع تخفيف العقوبات الاقتصادية المطبقة ضدها، الأمر الذي سيساعدها على خفض الأعباء الاقتصادية التي ترهق كاهلها. وفي المقابل تنفتح السوق الإيرانية أمام الاحتكارات العالميّة وفي المقدمة منها الأمريكية. ولم تكن تل أبيب غائبة عن طاولة المفاوضات، فوجدناها ترفع من سقف مطالبها التي وضعت شرط اعتراف إيران بها مقابل موافقتها على ما جاء في ذلك الاتفاق.

2- إرغام العرب على القبول بما تمّ الاتفاق عليه بين تلك الأطراف، تحت أوهام الدفاع عنهم ضد "عدوان إيراني محتمل"، مع رفع العصا في وجوههم بالإشارة إلى ضرورة التفاتهم نحو "مشاكلهم الداخلية"، من أجل الوصول إلى حلول ترضي واشنطن بشأنها.

3- الاستمرار في الترويج لمقولة أنّ أشد الأخطار المحدّقة بالمنطقة والمهددة لاستقرارها هو الإسلام السياسي الذي تجسده، حسب الرواية المتفق عليها بين طهران وتل أبيب والدول الست الأخرى في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

رد المراقب العربي البسيط على تلك التصريحات والتحركات يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

1- ليس هناك من حاجة كي يضع أوباما المزيد من المساحيق التجميلية كي يخفي بشاعة الاستراتيجية الأمريكية تجاه العرب. فمن غير المتوقع أن تزج إيران بقوات إضافية في الفضاء الجغرافي العربي، يضاعف من أعباء التزاماتها العسكرية القائمة في ساحات عربية أكثر أهمية، في هذه المرحلة، من الجزيرة العربية. وبالتالي فدول الخليج ليست في حاجة لضمانات "أوبامية"، ضد عدوان تنفي كل الظروف القائمة احتمالات حدوثه.

2- دون الحاجة لإثبات أنّ الأصابع الأمريكية ليست بعيدة عن ولادة "داعش"، أو شجب كل ممارسات هذه الأخيرة غير الإنسانية، والتي لا تمت للإسلام بصلة من قريب أو بعيد، يبدو أنّ القصد من وراء كل ما أشرنا له أعلاه، هو التبرير لمرحلة الوئام الأمريكية - الإيرانية المقبلة، والتي لا يمكن أن تتم إلا على حساب العلاقات الأمريكية - العربية، وهذا ما يدفع إدارة البيت الأبيض إلى طمس معالم تلك المرحلة كي لا يتسنى للعرب رؤيتها. وهذا ما تزمع واشنطن تحقيقه في لقاء قمة كامب ديفيد المرتقبة التي دعا لها أوباما وسيشارك فيها القادة الخليجيون.

3- لا بد أيضا من تشذيب العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية من الشوائب التي علقت بها إثر الإطاحة بنظام الشاه، فلم يعد في الإمكان التوصل إلى خارطة للشرق الأوسط الجديد في ظل توتر مستمر في تلك العلاقة. ربما لا يعني ذلك وقف إيران حملاتها الإعلامية ضد تل أبيب، لكنه لا يمنع إرغامها على إعادة رسم للعلاقات التي تربطها بحلفائها المتاخمين للحدود الإسرائيلية، لتخفيف حدة التوتر الحدودية هناك.

تأسيسًا على كل ذلك ينبغي للقادة العرب، وعلى وجه الخصوص الخليجيين منهم الوقوف بحزم، بناء على دراسات استراتيجية معمقة لخارطة التواجدات والعلاقات القائمة بين بلدان المنطقة، وبين كل واحدة من تلك البلدان والقوى الدولية ذات العلاقة، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، لوضع استراتيجية عربية بعيدة المدى تضمن الوصول إلى ما يلي:

1- اتفاق مع القوى الدولية وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، يقوم على الاحترام المتبادل، وعدم استخفاف أي طرف بالطرف الآخر أو الكيد له.

2- اتفاق لعلاقات سلمية غير متوترة مع طهران دون التفريط بأي من الحقوق العربية التي سلبتها طهران، وفي المقدمة منها الجزر الإماراتية، وضمان عدم تدخل أي منهما في الشؤون الداخلية للآخر.

3- الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، كما تنص عليه القوانين والاتفاقات الدولية.

أمّا ما روّجت له أجهزة البيت الأبيض مؤخرًا، فهو لا يعدو كونه مساحيق تجميلية رخيصة الثمن، ليس في وسعها طمس معالم الاستراتيجية البشعة التي تحضر لها واشنطن. فليعذرنا أوباما إن كنا لا نقبل بمثل تلك السياسة الدميمة.

تعليق عبر الفيس بوك