هل أسهمت "حماية المستهلك" في الحدّ من حوادث الطرق؟!

محمد العريمي

للحوادث المرورية نتائج سلبيّة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لأيّ بلد، ليس أقلّها الأرواح التي تزهق وبخاصّة فئة الشّباب التي هي عماد أيّ أمّة، وارتفاع تكلفة الرعاية الصحية، وارتفاع أسعار التأمينات للمركبات والممتلكات، والأضرار التي تلحق بالمرفقات العامّة والشوارع، إضافة إلى خسائر على المستوى الأسري والمجتمعي من خلال فقد الآباء والأمهات والأبناء، ممّا يؤدي إلى التشتّت الأسري، وغيرها من المشاكل الاجتماعيّة.

وتبذل الجهات المعنيّة بالسّلطنة وعلى رأسها شرطة عمان السلطانيّة جهوداً كبيرة في الحدّ من حوادث الطّرق، وبالتالي تقليل الخسائر البشريّة والمادّيّة من خلال طرق ووسائل عديدة انعكست نتائجها إيجاباً في انخفاض معدّلات الحوادث تدريجيّاً خلال الأعوام الثلاثة السابقة، وبعد أن كان عدد الحوادث (8209) في عام 2012، فإنّ العدد انخفض إلى (6717) في عام 2014، وبعد أن كان عدد الوفيّات من جرّاء هذه الحوادث (1193) في عام 2012، فإنّه تناقص إلى أن بلغ (816) في عام 2014، على الرّغم من الزّيادة السنويّة المضطردة في أعداد السائقين والمركبات.

وعلى الرّغم من أنّ أعداد الحوادث والوفيّات الحاليّة تشكّل رقماً كبيراً وتحدّياً مهمّاً بالنّسبة لبلد مثل السّلطنة إلا أنّنا لا يمكن أن نتجاهل الجهود التي بذلت من أجل الحدّ منها، والانخفاض التدريجيّ التي أشرنا إليه، والتي يمكن أن نعيد أسبابه إلى الخطوات المهمّة التي اتّخذتها شرطة عمان السّلطانيّة في هذا المجال والتي من بينها: تفعيل أجهزة ضبط السرعة، ومحطات الفحص الفنّي للمركبات، وخدمات الاسعاف، وتدريب وتأهيل رجال الشرطة العاملين في مجالات المرور والفحص الفنّي والاسعاف والتّوعية، والحزم في تطبيق اللوائح التشريعيّة الخاصّة بالمرور، إضافة إلى الجانب التّوعوي المهمّ الذي يقوم به معهد السلامة المرورية وبخاصّة في مجال الدورات والندوات والورش.

ومع كلّ الجهود المبذولة والمقدّرة من قبل شرطة عمان السّلطانيّة إلا أنّنا لا يمكن كذلك أن نغفل جهوداً أخرى في هذا المجال قامت بها مؤسّسات حكوميّة ومجتمعيّة أخرى تسهم جنباً إلى جنب مع شرطة عمان السلطانيّة في هذا المجال من باب الشراكة المجتمعيّة، والحسّ الوطنيّ التذي يحتّم عليها التصدّي لكل ما يؤثّر على مسيرة بناء هذا الوطن، ومن بين هذه المؤسّسات: وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، ووزارة التربية والتعليم، والصحّة، والأوقاف والشئون الدينيّة، ومجموعات الدعم التطوّعيّة، وهيئة حماية المستهلك التي كان لجهودها دور كبير في مجال الحدّ من حوادث الطرق وانخفاض نسبة الوفيّات بالسلطنة.

ويمكن أن نلخّص دور الهيئة العامّة لحماية المستهلك في هذا المجال من خلال الضبطيّات المتوالية في مجال قطع الغيار، والإطارات المستعملة، والتي لا يكاد يمرّ يوم أو اثنين دون أن نسمع عن ضبطيّة هنا أو هناك، ولعلّ المجتمع المحلّي لم ينس بعد قضيّة قطع الغيار المغشوشة الشّهيرة، التي تأثّر بضررها القطاع الحكوميّ والافراد معاً، والتي حقّق أصحابها لسنوات عديدة ملايين طائلة على حساب دماء وآلام وحسرات العديدين ممّن تضرّروا من تلك الممارسات التي كانت تنبئ عن جشع أصحابها، وعن ضعف مريع في التشريعات القائمة وقتها!!

ومن منطلق حرصها على أرواح مستخدمي الطرقات العامة، ولمحاولة التقليل من نزيف الخسائر البشرية والمادية المتمثلة في تلك الحوادث، أتى قرار رئيس الهيئة بحظر بيع وتسويق وعرض وتوزيع الإطارات المستعملة بجميع أنواعها وأحجامها، وبحظر بيع وتسويق وعرض وتوزيع الإطارات غير المستعملة التي مضى على تاريخ إنتاجها (24) شهرا، بالنسبة لإطارات سيارات الركوب، والحافلات، والشاحنات الخفيفة، و(30) شهرا للشاحنات الثقيلة، وبحقّ المستهلك في الحصول على وثيقة ضمان للإطار لا تقل مدة سريانها عن سنة من تاريخ البيع، وبأن تتضمن فاتورة شراء الإطارات البيانات الآتية: بلد الصنع، وتاريخ الإنتاج ونوع الإطار، ودرجة تحمّله للحرارة، والوزن وقياس الإطار، وقياس الهواء المناسب له والسرعة المناسبة لاستعمال الإطار، أو السرعة القصوى لتحمله، وبأن يلتزم المزود بالتخلص من الإطارات المستعملة، ونقلها إلى المواقع المخصصة لذلك، والمحددة من قبل الجهات المعنية.

وبلا شك فإنّ قراراً كهذا أسهم في الحدّ من الحوادث الناجمة بسبب استخدام البعض لإطارات مستعملة أو منتهية الصّلاحيّة أو معاد تلبيسها، أو مخزّنة لفترات طويلة، وغالباً ما يكون المستهلك ضحيّة لجشع البعض ورغبتهم في الثّراء السّريع على حساب حياة الآخرين، وتشير إحدى الاحصائيّات إلى أنّ حالات الوفاة بسبب الإطارات المستعملة بلغت في إحدى السّنوات (85) حالة وفاة.

كما تعدّ حملة الاستدعاءات للمركبات بالتعاون مع وكالات السّيّارات من الحلول المهمّة التي تبنّتها الهيئة من منطلق الحفاظ على حقوق المستهلكين، ومن خلال تفعيل دورها المجتمعي الشّامل بعيداً عن الصورة الذهنيّة النمطيّة التي يرسمها البعض لأدوارها والمتمثّلة في مجرّد مراقبة الأسواق وضبط الأسعار.

وتشمل هذه الحملة الاسترداد الآمن الذي يتضمن أغراض السلامة التي تتعلق بأسباب مختلفة تجعل من قيادة السيارات غير آمنة، مثل مشكلة مكابح السيارة، كما يلزم الوكيل بإجراء الصيانة على نوع السيارة التي توجد فيها أعطال سواء كانت بسيطة أو الصيانة التي تحدث لأسباب تتعلق بعدم توافق ظروف المناخ، وتتضمن الحملة كذلك الاسترداد العادي الذي يضمن استدعاء السيارات لأسباب من الممكن أن تؤدي إلى أعطال لا تمس الأمن والسلامة.

وقد بلغ مجموع السيارات التي تم استدعائها خلال العام الماضي 2014 ( 224608 ) سيارة لعدد (68) إستدعاءاً قامت بها الهيئة بالتعاون مع وكالات السيارات، لوجود بعض الأعطال، وإجراء تحسينات على عدد من السيارات، وهو عدد كبير يدلّ على مدى الجهد المبذول في هذا الجانب من قبل الهيئة، والذي أسهم بلاشكّ في التّقليل من نسب حوادث السّير التي كان من بين أسبابها بحسب الاحصائيّات السنويّة للجهات المختصّة أعطال فنّيّة تتعلّق بالمركبة.

ولا يمكن أن نغفل الدور التوعوي والتثقيفي المهم الذي تقوم به الهيئة في هذا المجال، سواء من خلال النشرات والمطبوعات والفواصل والاعلانات والمشاهد الدراميّة والهاشتاجات، أو من خلال المحاضرات والورش التدريبيّة، أو من خلال المعارض الثابتة والمتنقّلة التي تعرض لنماذج من القطع الأصليّة والمقلّدة المتعلّقة بالمركبات، ويتم من خلالها توزيع المطبوعات المختلفة المتعلّقة بالتوعية في مجالات قطع غيار السّيّارات، والإطارات، وآليّة شراء السيّارة، وغيرها، وهي جهود تؤتي ثمارها بلاشك.

تحيّة مخلصة وصادقة لكافّة الجهات التي تبذل جهوداً كبيرة تسهم في إنقاذ أرواح يمكن أن تؤدّي دوراً في خدمة هذا الوطن ورفعة شأنه، ضاربة المثل الرائع في المسئوليّة الاجتماعيّة بعيداً عن أدوارها وأهدافها الروتينيّة التي تجاوزتها إلى تطبيق شعار "خيركم للناس.. أنفعكم للناس".

تعليق عبر الفيس بوك