هم .. ونحن!

سيف بن سالم المعمري

رغم الجهود المبذولة من الحكومة ممثلة في وزارة القوى العاملة والجهات المعنية الأخرى لتهيئة المناخ الملائم للمواطنين لإدارة مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة والأنشطة التجارية والصناعية الأخرى إلا أنّ المواطن لا يزال غير واثق من قدراته الخاصة ومهاراته، بل إنّه لا يزال- على ما يبدو- مقتنعًا بما يحصل عليه من فتات تلك المؤسسات التي تتم إدارتها فعلياً بواسطة العمالة الوافدة وشكلياً من المواطنين.

وكحال معظم الشباب العُماني الذين يمنون النفس بأن يصبح لهم دخل إضافي من خلال إقامة المشاريع التجارية والصناعية، تولدت لديّ تلك الفكرة في عام 2007م، والتي دفعتني لاستخراج سجل تجاري والبدء في تأسيس مشاريع تجارية متنوعة، وفي أثناء سعيي لاستخراج السجل التجاري وعند إتمام الحصول على شهادة انتساب من غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة البريمي، قابلت أحد الموظفين المخلصين وكان أنموذجا للشباب العُماني الناجح في مشاريعه التجارية، حيث سألني الأسئلة التالية قائلاً: ما الذي دفعك لاستخراج هذا السجل التجاري؟ وما هو طموحك في مجال النشاط التجاري؟ هل ستُدير أنشطتك التجارية بنفسك، أم أنك سترضى بالفتات من تلك الأنشطة؟ واستطرد قائلاً: هناك نوعان من الشباب الذين يأتون إلى فرع الغرفة لاستخراج السجل التجاري فمنهم من يسعى بعد استخراج السجل لإدارة أنشطته التجارية بنفسه؟ ومنهم من يفتح السجل التجاري ليسلمه للعامل الوافد وليس له من الأنشطة التجارية سواء الفتات- مبلغ كفالة فقط - الذي يحصل عليه من العامل الوافد، فإن كنت الأول فأشد على يدك وأقول لك توكل على الله فتسعة أعشار الرزق في التجارة، وإن كنت الثاني فأنصحك أن تكون حذرا فالعامل الوافد لا يرى سوى مصلحته ولن تجني منه سوى التعب.

وخرجت من مكتبه وأنا أتأمل كلماته، فقد كنت محظوظا ليقدم لي درسا مجانيا فهو شخص له تجاربه الناجحة حيث يمتلك معارض أثاث في عدة محافظات في السلطنة بالإضافة إلى مشاريعه في جمهورية مصر العربية.

وحاولت أن أبدأ مشروعي بطريقة ناحجة وتواصلت مع عدد من الزملاء ممن لديهم تجارب قديمة في المشاريع التجارية، ووجدتهم يقولون لي: لا تصدع رأسك، خُذ منه الكفالة وأتركه يُدير نفسه بنفسه، وإذا حاولت أن تُديره ستخسر.

وتعجبت من تلك الثقافة اليائسة وكيف زرعت في عقولهم؟ وفي أثناء البحث عن المحلات الملائمة لإقامة مشروعي واجهتني عقبة أخرى وهي أن المحل الذي أرغب في استئجاره يديره عامل وافد ويطلب تقديم مبلغ (5000) ريال عُماني خلو أو إخلاء - وهو مبلغ غير مسترد والمحل عبارة عن ثلاث جدران وسقف غير ثابت وغير مؤثث ولم يسبق مزاولة أي نشاط فيه - وتقديم مبلغ مقدم للإيجار لمدة 6 أشهر والإيجار الشهري يقدر بـ (200) ريال عُماني، فقلت للمؤجر، ولم مبلغ الخلو أو الإخلاء فالمحل لا يوجد به أي سلعة؟ قال لي: إن كنت لا تستطيع الدفع فهناك الكثير ممن يدفعون مثل هذا المبلغ وأكثر وهم عُمانيون؟ فقلت له هل يمكنني التواصل مباشرة مع صاحب العقار أو الكفيل؟ قال لي أن صاحب العقار والكفيل ليس له سوى الكفالة!.

وفي الأسبوع الماضي وبعد إنهاء معاملتي في الصراف الآلي بأحد البنوك تقدم إليّ عامل آسيوي وطلب مني مساعدته في السحب من الآلة فقلت له: سأعلمك كيفية السحب حتى تستطيع في المرات القادمة أن تقوم بالعملية بنفسك، فقال لي : لا، لا: أنا لا أجيد القراءة ولا الكتابة: العربية والإنجليزية، فسألته: ما هي مهنتك فقال: أنا صاحب محل لتصليح عوادم السيارات ولدي عاملان آخران وقد أحضرت بطاقتيهما وبطاقتي لأسحب رواتبهما وراتبي، فقلت له: يعني الكفيل هو صاحب المحل وهو أودع لكم رواتبكم الشهرية، قال: لا، المحل لي أنا ولكن أقوم بإعطاء الكفيل مبلغ الكفالة الشهرية فقط، ومبلغ (180) ريالا عُمانياً يقوم بإيداعه هو في حساباتنا لكل عامل منّا (60) ريالاً حسب الإجراءات المتبعة بوزارة القوى العاملة.

ترى ما الذي جعل من هذا العامل الوافد رباً للعمل والكفيل أجيرًا مقابل كفالته لعماله، ومودع مبالغ شهرية لهم، وله مبلغ كفالة فقط وإن كانت في أفضل حالتها فلن تتجاوز (15) ريالا عُمانيا، وكيف استطاع هذا العامل أن يتقن صنعته ويُدير مؤسسته ويشغل عاملين وهو لا يُجيد القراءة ولا الكتابة؟.

وللأسف الشديد الكثير من العمال الآسيويين ليسوا عمالاً مهرة، ونسبة كبيرة منهم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، فأين نحن من هؤلاء؟ ألسنا بحاجة إلى عمال مهرة في صنعتهم، ولماذا ينجحون في تجارتهم وصناعتهم، ونحن رغم مستوياتنا التعليمية وحوافز الحكومة في دعم مشاريعنا الشبابية والتأهيل والتدريب والندوات والمحاضرات، نخاف الفشل ونرضى بالفتات من أموال الأنشطة التجارية في وطننا.

فلماذا نجحوا هم ونحن لا نريد أن ننجح، ولماذا لا نكون هم نحن، ونحن هم؟.

تعليق عبر الفيس بوك