القوة العربية المشتركة ومفهوم الشرعية

زاهر بن حارث المحروقي

"ويلٌ لإسرائيل من شرٍّ قد اقترب"، أظن أنّ هذه العبارة هي الأنسب أن تُقال الآن، بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، والتي تمثلت في حدثين هامين؛ الأول هو تلك "الفزعة" التي قامت بها عشر دول لمواجهة اليمن أو "الحوثيين" - كما تركز وسائل إعلام الدول المهاجمة-، والتي تمثلت في مشاركة أكثر من 185 طائرة مقاتلة مختلفة الطرازات، في الهجوم على اليمن، ممّا جعل البعض يطلق تصريحات غير مسؤولة بتهديد دمشق وطهران، بل حتى تحذير موسكو، وكلُّ هذا يجعل إسرائيل ترتعش خوفاً الآن من هذه "الفزعة"، فالخوفُ دائماً يكون ممّن إذا قال فعل، والقومُ قد قالوا أكثر من 60 عاماً.

أما الحدث الثاني؛ فقد تمثّل في الإعلان عن تشكيل القوة العسكرية العربية الموحدة، وذلك في قمة شرم الشيخ التي انتهت في 29 مارس الماضي، وعندما يتم تشكيل هذه القوة، فما يتبادر إلى الذهن فوراً هو أنّ مهمة القوة هي حماية الأمن القومي العربي بمفهومه الواسع، والأمنُ العربي مكشوفٌ من سنوات طويلة، إذ استطاعت إسرائيل أن تخترقه، وأن يكون لها نفوذ ضمن مناطق الأمن القومي العربي نفسه في الداخل، إضافة إلى تدمير دول الطوق، بأن أصبحت كلُّ الدول المحيطة بإسرائيل دولاً صديقة لها، ترتبط معها بمعاهدات، ما عدا سوريا ولبنان، هذا غير العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل وحلفاء العرب الأساسيين المحيطين بالأمة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لمن توجه هذه القوة..؟ هل لإسرائيل..؟ وإسرائيلُ هي العدو الاستراتيجي الأول والأخير للأمة العربية، ثم هل القوة العربية المشتركة هي فعلاً لصالح الأمة العربية..؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يطلب تدخل هذه القوة في بلده..؟ ومن الذي يحق له أن يُعطي شرعية التدخل..؟ إنّ المأساة الحقيقية أن يكون هذا الجيش موجهاً ضد عدو في الداخل هم جموع المواطنين، فلا يحق لأيّ شعب أن يُطالب بأبسط حقوقه الآن، لأنّ هناك جيشاً بالمرصاد جاهز للتصدي لهم.

إنّ الجواب على تلك الأسئلة هو أنّ التدخل العسكري ضد أيّ دولة أمرٌ من الصعب أن يكتسب شرعية من أيِّ نوع كانت، فمثلاً إذا أخذنا الأمر في سوريا، فلنا أن نتساءل من الذي يُحدد شرعية النظام السوري من عدمها..؟ وكذلك في اليمن وفي ليبيا وفي مصر وفي السعودية وفي كلِّ الأنظمة العربية، فهناك اختلافاتٌ كثيرةٌ في وجهات نظر الدول العربية ذاتها حول الأنظمة الأخرى، بمعنى أنّ تعريف الشرعية في حالةٍ كهذه؛ هو تعريف يعتمد على المزاجية فقط، ففي حين رأينا التدخل ضد القذافي بحجة فرض الشرعية، رأينا التدخل لصالح الحكومة اليمنية بالحجة نفسها، وهذا ما حدث في مصر أيضاً، إذ وقفت بعض الدول مواقف مؤيدة للسيسي ورأت فيه ممثلاً للشرعية؛ فيما رأت الدول الأخرى أنّ السيسي مغتصبٌ للشرعية، والحالُ هذه تنطبق على الوضع في البحرين، إذ رأى البعض أنّ ما حدث من تدخل عسكري سعودي - خليجي في البحرين هو ضد مطالب الشعب في الحرية والتعبير عن الرأي، فيما رأى الآخرون أنّ ذلك التدخل كان انتصاراً للشرعية.

حتى مصطلح الإرهاب ليس له تعريف موحد، فبعض الدول العربية، تتحمل مسؤولية نشوء جماعات إرهابية كداعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرها، وترى أنّ هذه الحركات تطبق الإسلام السلفي الحقيقي الذي أتى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وترى في بقية المسلمين "هراطقة"، وتؤيد العمليات الإجرامية التي تقوم بها هذه الحركات، بينما تعتبر دول أخرى هذه الحركات حركات إرهابية يجب مقاتلتها.وإذا تركنا الوضع الداخلي، فإنّ نظرة بعض الدول العربية التي أيدت مشروع القوة العربية المشتركة ترى أنّ إيران هو العدو ويجب أن يتم إيقاف تمدد نفوذه بالقوة، حتى وإن أدى ذلك إلى قتل آلاف الأبرياء وإلى تدمير البنية التحتية للدولة كما حدث في اليمن الآن، حيث تصف بعض المحطات الإخبارية ما يتم هناك أنه تدمير للحوثيين، ناسيةً الشعب اليمني الأعزل الذي يدفع الثمن، فيما ترى أطراف عربية أخرى أنّ أولوية هذه القوة يجب أن توجه للحرب على الإرهاب، وفي كلِّ الأحوال فإنّ العدو الإستراتيجي للأمة غائب عن بال المخططين والمنفذين للسياسات العربية، وهي سياسات لا تخدم إلا المصالح الإسرائيلية في المنطقة، سواء كان ذلك بعلم الأنظمة العربية أو بدون علمها؛ فقوةُ إسرائيل العسكرية لا زالت الأقوى في المنطقة، بل تكاد تتفوق على كلِّ الجيوش العربية مجتمعة، وربما تشكيل تحالف من عشر دول لمواجهة حركة "أنصار الله" كافٍ لأن يعرف الناس مدى ضعف هذه الدول، فهل كان أنصار الله يحتاجون إلى كلِّ هذه القوة..؟، ثم إنّ من يفشل في التوسط بين الأطراف المتحاربة، فمعنى ذلك أنّ وجوده كعدمه، وبالتالي فإنّ فشله في الحرب شبه حتمي، حتى وإن ظهر الانتصار العاجل؛ فالمستنقع كبير وعميق.

من المؤسف جداً، أن يتم التركيز في وسائل الإعلام وعبر المنابر، أنّ الحرب الدائرة الآن هي حربٌ سنيةٌ - شيعيةٌ، بمعنى أنها حرب إسلامية-إسلامية، وأنّ إيران هي العدو بدلاً من إسرائيل، لذا فقد جاء العدوان على اليمن من هذا المنطلق، وكان من ضمن أهداف الحملة جر إيران إلى الرد، خاصة في اللحظات الأخيرة والصعبة من مفاوضات الملف النووي الإيراني، إلّا أنّ طهران فطنت لتلك النقطة، وها هي تحقق نجاحات تحسب لها، فهل يحق لنا أن نقول إنّ العالم قد تآمر علينا مع طهران، وننسى تقصيرنا..؟، ونستطيع أن نتعرف على الموقف الإسرائيلي من الحرب على اليمن من مقال كتبه "ألون بن دافيد" في معاريف الإسرائيلية بتاريخ 3/4/2015، عندما وصف الأسبوع الأول من الحرب على اليمن بأنه "كان أسبوعاً تاريخياً في تاريخ المنطقة، إذ للمرة الأولى منذ عشرات السنين اتحد العالم العربي حول موضوع غير إسرائيل"، فيما كتب "تسفي بارئيل" في هاآرتس، 2/4/2015، أنّ نتنياهو يشعر بأنه محميٌّ من التحالف العربي، الذي يخاف من النفوذ الإيراني في المنطقة.

يرى الكاتب عبد الله السناوي في مقال بعنوان "القوة العربية المشتركة: تساؤلات ضرورية" نشر في جريدة الشروق، 30 مارس 2015، أنّ الحرب المفتوحة مع إيران حماقة سياسية بلا حد، وانجرافٌ إلى صراعات مذهبية بلا تعقل؛ فهناك فارق جوهري بين مناهضة تغوّل الدور الإيراني بأكثر ممّا هو طبيعي ومحتمل، وبين إعلان حرب مفتوحة تمتد من الدولة إلى المذهب، ومن الاختلاف إلى الوجود نفسه؛ فإيران ليست إسرائيل، ومن غير المقبول بأيِّ قياس قومي استبدال الثانية بالأولى؛ ويرى أنّ هذا خلط مريع فى الأوراق يقوض نهائياً أيّ تطلع لعمل عربي عسكري مشترك يحظى بأي قدر من الاحترام، بل يرى أنّ أيّ تردد مصري في الالتزام بأمن الخليج خطيئة سياسية، غير أنّ الشطط في الخصومة المصرية مع إيران خطيئة أخرى، لأنّ الشطط يفضي إلى هوس فى العداء وتورط فى صراعات مذهبية لم تعرفها مصر ولا انخرطت فى خطابها التحريضي.

إنّ عبد الله السناوي بحسِّه الوطني والقومي، يشير إلى غياب الدور المصري القائد للأمة، إذ أصبحت مصر الآن منقادة؛ بعد أن كانت تقود الأمة، وعندما يغيب الدور الحقيقي لأيّ قائد، فإنّ أيّ أحد سيحاول أن يملأ الفراغ، تماماً مثلما يغيب الفارس الحقيقي فإنّ أيّ أحد سيمتطي صهوة الجواد، ثم عندما تسود النزاعات المذهبية - وهي قضية جانبية ويجب أن تبقى كذلك-، فإنّ الطرف الذي يستطيع أن يجد الحلول لها، هو الطرف البعيد عن هذه النزاعات والفتن، وليس الطرف المنغمس فيها.

حقيقة إنّ مفهوم "الشرعية" أصبح مفهوماً ملتبساً، والسبب الحقيقي هو غياب الديمقراطية الحقيقية وغياب دساتير ثابتة للدول، بحيث تكون هناك سياسة ثابتة لا تتغير بتغير الوجوه، تكون هذه السياسة تبحث عن مصالح ثابتة للشعوب، لا أن تقودهم إلى حروب ليس لهم ذنب فيها، والأمر الخطير في غياب التعريف الحقيقي للشرعية هو الذي جعل رئيساً يُفترض أن يكون مسؤولاً عن كلِّ مواطنيه، أن يناشد القمة العربية بأن تتخذ الموقف الذي اتخذته في اليمن، بأن تقصف حماس في غزة، وأن تمتد كارثة "عاصفة الحزم" إلى دول عربية أخرى.

هل كان التدخل العسكري في اليمن ضرورة..؟، بمعنى هل أغلقت كلُّ الأبواب السلمية..؟ وهناك سؤال آخر هو من الذي يحدد شرعية الدول التي دخلت الحرب ضد اليمن؟.

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك