عاصفة الحزم.. والمُخطط الكبير لتدمير الأمّة العربية

د. صالح بن هاشل المسكري

في حوار أجرته معي إذاعة مونت كارلو الدولية من باريس قبل أيام كان السؤال البديهي هو لماذا سلطنة عمان لم تشارك في عمليات عاصفة الحزم هل بسبب جوارها وحدودها الطويلة مع اليمن وظروفها الاجتماعية، أم هناك أسباب أخرى تضغط على عمان بعدم المشاركة، وكان جوابي ببساطة ودون تعقيد أنّ عمان بلد محبة وسلام ولها نهجها السياسي المستقل الذي التزمت به منذ بدايات عهد جلالة السلطان المعظم " أتمّ الله له الشفاء وأدام عليه العافية" وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وعدم قبول تدخل الآخرين في شؤونها الداخلية، وليس معنى هذا أن سلطنة عمان بهذا الخط السياسي بلد منغلق على نفسه ولا يشارك المجتمع الدولي همومه وأوضاعه وحاجاته، بل على العكس هناك حضور مهم لسلطنة عمان في العلاقات الدولية وفي كثير من الملفات السياسية المعقدة، ولكنّ هذا الحضور حضور إيجابي يسهم في نشر المحبة والصداقة والسلام في العالم، ويدعم الجهود الدبلوماسية والإنسانية لحل القضايا بالحوار وبالطرق السلمية وقد أصبح هذا الأمر واضحا للجميع وهو يحظى باحترام المجتمع الدولي وثقته وتقديره.

فعلى سبيل الذكر لا الحصر نجحت سلطنة عمان بسياستها ودبلوماسيتها الهادئة في تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين العرب في الأزمات وما أكثرها بين الإخوة الأعداء، ونجحت في فك أسر الكثير من الرهائن الغربيين والآسيويين المحتجزين لأسباب سياسية، كما استطاعت أن تجنب العالم شبح الحروب والمواجهات المباشرة بتحريك الملف النووي الإيراني في مفاوضات مسقط ونزع فتيل الإنفجار وعدم الثقة بين مجموعة الخمسة زائد واحد 5 + 1 وبين الإيرانيين وانتهت المفاوضات قبل أيام بالاعلان عن إتفاق إطار للبرنامج النووي الإيراني على أن يوقع الإتفاق النهائي في 30 يونيو 2015م "وإن كنت أرى شخصياً أنّ هذا الإعلان هو حلوى رديئة قدمت على طبق فاخر" وفي عاصفة الحزم التزمت السلطنة بنهجها السياسي وقدمت المساعدات العلاجية والإنسانية للأشقاء اليمنيين دون تمييز، وهناك محطات عديدة في السياسة الخارجية العمانية لا يمكن اختزالها وحصرها في مقال.

"عاصفة الحزم" انطلقت لتفتح جبهة أخرى في الصراع العربي العربي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بتأييد أمريكي ومباركة غربية ضمن مخطط واضح لتدمير العرب، ويبدو أنّ هؤلاء كما وصفهم وزير الدفاع اليهودي دايان "قومٌ لا يقرأون واذا قرأوا فإنهم لا يفهمون ولا يتعظون" فمنذ اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الوطن العربي إلى دويلات ومحميات قبل قرن من الزمان إلى يومنا هذا وهم يتعرضون للتمزيق والتفريق، ويتنقلون من انتكاسة إلى نكسة كبرى دون أن تتحرك لهم همم أو يستيقظ فيهم ضمير.

هذه المخطط الصهيوني الكبير "ولست مسكونا هنا بنظرية المؤامرة" فالشواهد والحقائق ماثلة للعيان أوجزه للقارئ الكريم في الآتي:

دُشّن المخطط بقصف بُرجي مركز التجارة العالمي في منهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بأربع طائرات مدنية وبإخراج سينمائي خطف الأبصار وبهر العالم في 11 سبتمبر 2001م، وصُوّر للعالم حين ذاك أنه الإرهاب القادم من الشرق الأوسط وهم يعنون المسلمين بالطبع، وإنّ هذا الإرهاب هو أكبر خطر يهدد الإنسانية والمصالح الأمريكية والغربية، وفي ديسمبر من نفس العام شنّت أمريكا وبريطانيا وألمانيا أول حرب أطلسيّة على الشرق الأوسط وبالتحديد على مقاتلي حركة طالبان في جبال تورابورا الشهيرة ولم تحقق القوات الغازية نصرًا حاسمًا، لكن بعد عشر سنوات تمكّنت المخابرات الأمريكية من قتل زعيم القاعدة المجاهد اليمني الأصل أسامة بن لادن، وفي مارس 2003م غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها من عجم وعرب جمهورية العراق، وقضت على الدولة العراقية القوية وقتلت الرئيس العراقي صدام حسين شنقاً وهو الزعيم العربي الوحيد الذي أطلق أكثر من 45 صاروخاً على إسرائيل وأدمى جبهة اليهود العالية، ثمّ نشرت جواسيسها وشركاتها الأمنية سيئة السمعة في كل مناطق العراق ومهد ذلك لقيام التنظيمات والميليشيات التي تنشر القتل والخراب والدمار للمقومات التاريخية والحضارية وللبُنى التحتية للدولة العراقية حتى لا يستقر العراق ويفكر في النهوض مرة أخرى، بعد ذلك تمّ تفعيل الفصل الثاني من المخطط التدميري وهو استنهاض الشعوب العربية ضد الأنظمة السياسية وقيام ما يسمى بالربيع العربي أواخر عام 2010م، حيث تهاوت أنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن ودمرت سوريا تدميرا كاملا، وتركت هذه الدول للعصابات الإرهابية تمزق أوصالها وتتكفل بمهمة متابعة تنفيذ ما تبقى من بنود هذا الفصل السيئ من المخطط، وفي ذكرى سبتمبر المشؤوم من عام 2014م بدأ الفصل الثالث بإعلان أمريكا عن استراتيجيتها الجديدة لمكافحة الإرهاب هذه الاستراتيجية التي أقرها خبراء ومستشارون صهاينة في الإدارة الأمريكية تقوم فكرتها على أساس إشعال الفتن والحروب في البلدان العربية وإذكاء نار العداوات والصراعات السياسية والطائفية مع تقديم الدعم الفنّي واللوجستي والمادي للعصابات المتناحرة على الأرض وأغلب هذه العصابات هي من صنع وكالة المخابرات الأمريكية - سي آي ايه - والموساد الإسرائيلي، مع استنزاف الموارد العربية في مشاريع إعمار وهميّة؛ الهدف منها نهب الأموال لمصلحة الشركات الأمريكية والغربية الداعمة للمخطط، مع محاولة جر السعودية ومصر لحرب أهليّة تبدأ بتأييد تدخلات البلدين في مشاكل خارج حدودهما ثم نقل الصراع بالتدريج للأراضي السعودية والمصرية من أجل تدمير أكبر دولتين في الوطن العربي لا قدر الله، وهو البند الأهم في مخطط تدمير الوطن العربي وتقسيمه إلى دويلات طائفية متناحرة، وستتوالى فصول المخطط ويستمر تطبيقها على الأرض العربية ما لم تستيقظ الأنظمة ومعها الشعوب من غفلتها وتحافظ على ما تبقى من كرامتها ووجودها.

عاصفة الحزم التي تنفذها السعودية مع بعض الحلفاء "غير المضمونين" ويقودها في الظاهر وزير الدفاع السعودي الجديد الذي لم يتخط الثلاثين من عمره ويحظى بثقة والده خادم الحرمين الشريفين، وقد سلّمه أكثر المهام حساسيّة في المملكة، رئاسة الديوان الملكي ورئاسة المجلس الاقتصادي وحقيبة وزارة الدفاع، علمًا بأنّ الأمير لا علاقة له لا بالاقتصاد ولا بالعسكريّة وليست له خبرة فيهما وهو خريج قانون من إحدى جامعات المملكة، فهي عاصفة هوجاء ومغامرة جريئة وغير مأمونة العواقب للملك وللابن على حد سواء، فإمّا النجاح وبلوغ الأهداف، وإمّا خيبة الأمل والنيل من مكانة المملكة وقوتها وسمعتها.

وقد بررت العاصفة عملياتها بدعم الشرعية في اليمن، علماً بأنّ الشرعية أُسقِطت في العراق وفي مصر وفي ليبيا مع محاولة إسقاطها في سوريا بذات السلاح والمال الذي تستعاد به في اليمن، والتبرير الآخر هو إنهاء سيطرة الحوثيين - الشيعة- على اليمن ويبدو للبعض أنّه منطقي ومسألة ضرورية للتصدي لإيران الفارسية التي استطاعت أن تصدر ثورتها الطائفية للوطن العربي وتوطن مبادئ وأيديولوجيات هذه الثورة في أربع عواصم عربية بعد الإطاحة بصدام حسين، واصبحت تتحدث بجرأة لم يسبق لها مثيل عن إمبراطورية فارسية قادمة، وعن سيد جديد للشرق الأوسط بيده مقاليد الأمور كلها.

اليمن سعت غير مرة للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي منذ العام 1993م، وفي كل مرة تقابل بالرفض إمّا لخلافاتها السياسية مع بعض دول المجلس أو لاختلاف نظامها السياسي، ولم تقبل إلا لعضوية شرفيّة في بعض الهيئات التابعة للمجلس كالصحة والتربية وذلك في قمة مسقط عام 2000م، وأظن أنّ الخليج هو من خسر اليمن وليس العكس فاليمن التي أشتُق اسمها من اليُمن وتقع على يمين الكعبة الشريفة هي الامتداد الطبيعي للخليج والعمق الاستراتيجي له، وهي إضافة إلى موقعها الاستراتيجي الهام على ضفاف بحر العرب والبحر الأحمر لديها خزان بشري ضخم قوامه 27 مليون نسمة كلهم من العرب الأقحاح، في حين سكان دول مجلس التعاون مجتمعة لا يتجاوز 46 مليون نسمة، منهم 23 مليون أجنبي، فلو دخلت اليمن لشكلت دعامة قوية لمجلس التعاون بكل تأكيد.

إنّ دماء أهل اليمن في رقابكم يا أهل الخليج يا إخوة الإسلام والنسب، وقد افتقدتم للسياسة والكياسة حين قررتم أن تدكوهم وتثخنوا جراحهم بالقنابل والصواريخ، وقبل ذلك حين عزلتموهم عنكم وعن محيطهم العربي وتركتوهم فقراء يرزح أكثر من 43% من سكان اليمن تحت خط الفقر تمزّقهم الخلافات والصراعات الداخلية، وقطعتم عنهم المساعدات بعد حرب الخليج الثانية وطردتم من بلدانكم مئات الآلاف من اليمنيين الذي كانوا يشتغلون في ظروف صعبة وأعمال لا يستطيع أبناؤكم المرفهين أن يعملوا فيها، وقد كانوا سندا ودعما لأهلهم في الداخل اليمني، أنتم السبب يا أهل الخليج في انهيار اليمن وفي مشاكلها الداخلية وفي ظهور الميليشيات الطائفية، وأنتم من تسبب في تعلق اليمنيين بإيران وغيرها من الدول.

وأظنّكم لو أحسنتم التعامل مع إخوانكم الشيعة في بلدانكم انطلاقا من أركان الإسلام الجامعة ومن المواطنة الحقيقية التي تكفل للجميع الحرية والأمن والممارسة السياسية، وناصرتموهم بدل أن تناصبوهم العداء واحترمتم معتقداتهم بدل أن تكفروهم وتعزلوهم عن المجتمع المحلي لكان مواطنوكم الشيعة اليوم هم عدتكم التي تسطون بها في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن، وأياديكم إذا اشتد الزمان، وسواعدكم اليمنى، ولما اضطرت هذه الشريحة للذهاب الى الحضن الكبير الذي ينتظرها ويرحب بها في إيران، ولما كان لإيران الفارسيّة منافذ للتدخل في شؤونكم الداخلية، فشيعة العرب هم عرب وقبل ذلك هم مسلمون ومواطنون لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن الدين عند لله الإسلام والوطن للجميع.

Sh-almaskry5@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك