أنيونج هاسيو.. من كوريا

حُمود الطوقي

من شُرفتي بفندق "كوريانا"، المطل على شارع جوانج هامن، الشارع الرئيسي بالعاصمة الكورية الجنوبية سؤول، والمحيط به القصور الملكية والقصر الرئاسي ووزارة الخارجية، والعديد من السفارات الأجنبية؛ من بينها: السفارة الأمريكية، والبريطانية، واليابانية، وأيضا سفارة السلطنة المتميِّزة بنمط بنائها؛ حيث حاز مبنى السفارة إعجابَ الزوَّار، وكذلك كل من زار ومرَّ من أمامه. وقد أشاد الرئيسُ الكوريُّ السابق، والرئيسة الحالية، بمبنى السفارة الفريد من نوعه؛ الذي بُني وفق نمط العمارة العُمانية التقليدية.. هذا ما ذكره لي سعادة السفير مُحمَّد الحارثي سفيرنا لدى سؤول.

من تلك الشرفة، كُنتُ أسترقُّ النظرَ، أراقبُ الحياة النشطة للمواطن الكوري الذي يستفيقُ باكرا بهِمَّة وحيوية ونشاط.. كلُّ شيء مُبرمَج على نظام: السيَّارات تشقُّ طريقها بانتظام، والمترجلون يقطعون الطرقات وفق قوانين لا يُخالفها أحد. الإشارة الضوئية وَحْدها الحَكَم؛ تمنحُ العابرين وقتا تستقطعه من قائدي المركبات... إلخ.

نظامٌ يُبهرك، وهو بهذا التوصيف يَجْعل من هذا البلد يعتلي مكانة كبيرة في خارطة العالم.

... أعجبتُ بهذا البلد، ويزداد إعجابي كلما وطِأت قدماي مطار إنشون الدولي، الذي صُنِّف الأول عالميًّا للسنة العاشرة على التوالي -هذه المعلومة سمعتها من سعادة سفير السلطنة المعتمد لدى كوريا- وزيارتي الحالية هي الرابعة لكوريا الجنوبية؛ حيث كانت زيارتي الأولى عام 2010، عندما شاركنا -كجمعية الصحفيين العُمانية- في معرض صُوَر وملامح من عُمان، بدعوة من السفارة العُمانية؛ حيث كانتْ مُشاركتنا ضمن فعالية مهرجان دولي للسياحة والثقافة. هذا البلد العجيب الذي يُعدُّ أحد أسرع عواصم العالم نموًّا ليس فقط في التكنولوجيا، بل في شتى ميادين الحياة.. فوتيرة الحياة هنا تمرُّ بسرعة البرق، لا يُوجد مجال للتثاقل والتهاون، الكلُّ مسؤول عمَّا يُؤديه من عمل مهما كان حجم هذا العمل.. الإتقان والإخلاص في العمل أحد أهم الأسباب في نجاح التجربة الكورية.

ولكن، ما هو يا تُرى سر هذا الإتقان الذي يُميِّز المواطن الكوري عن غيره؟ الإجابة ببساطة تجدها وأنت تتجوَّل في أزقَّة ميونج دونج، أو أثناء تجوُّلك في الحارات القديمة أو الأسواق التقليدية، أو عندما تجلسُ في المقاهي لتحتسي كوبًا من القهوة بالطريقة الكورية.. لعلَّ هذه الزيارة البسيطة تُوصلك إلى حقيقة هذا المواطن الذي تفوَّق على غيره باقتدار.

لست وحدي من أطلق هذا الإعجاب، بل شاركني هذا الإعجاب زملائي روَّاد الأعمال الذين حملوا انطباعات طيبة عن هذا البلد.. فهُنا، المواطن لا ينشغل بأي شيء سوى عمله؛ لا يشغل نفسه بمتابعة ما يُنشر من أخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لا يشغل باله بتكذيب أو تصديق الشائعات التي تصدر من هنا وهناك، لا يهتم بما يدُوْر خارج محيطه من قضايا لا تمس الشأن الكوري.

سألتُ المترجمَ الذي يُرافقنا: هل سمعت عن "عاصفة الحزم"؟ وهل تتابع ما يحدث الآن في اليمن؟ هل سمعت عن مُصطلح "الربيع العربي"؟ أجابني: "وتيرة الحياة هُنا جعلت من المواطن الكوري لا يهتم بما يدور في العالم، نحن في كوريا نهتم بالقضايا التي تلامس المواطن، وليس لدينا مُتسع من الوقت لمتابعة ما يدور خارج محيطنا، طالما أنَّ ذلك لا يُؤثر علينا، فالوقتُ لدينا مقدَّس، هنا الكل يعمل بصمت، لا أحد يتدخَّل في شؤون الغير، المهم فقط هو إنجاز العمل، وتقديم أجود الخدمات، فهُنا الكل يعمل، ونفتخر بأننا نُبهر العالم بصناعتنا التي تفوَّقت، وأصبحت تحجز مقعدا في الصف الأول من بين صناعات العالم، والحكومة تشجع العمل، خاصة فئة الشركات الصغيرة والمتوسطة".

هذا الحديث قادني إلى حقيقة الفكر الكوري، الذي نأى بنفسه عن الدخول في صراعات، اللهم إلا الصراع القائم مع جارته الشمالية، وسرعان ما سيتم بينهم التصالح من خلال إبرام المعاهدات التي تنطلق دوما من مبدأ "لا ضرر ولا ضرار".

... وأنا أقفُ على التجربة الكورية، شرد ذهني إلى وَضْعنا العربي الذي يتدهور يوما بعد يوم.. توحَّدت الشعوب الغربية وتفرقت الشعوب العربية، مأساتُنا تزداد سوءًا يوما بعد يوم.. ماذا أصابنا؟ ولماذا هذا الشقاق بين الأشقاء؟ رقعة الحقد تتسع بين الأشقاء! ماذا يا تُرى سنجني من هذا الشقاق؟!... أسئلة كثيرة تدور في مُخيلتي كما تدور في مخيلة الكثيرين. لماذا لا نتَّحد خلف كلمة سواء؟! أليس الله أمرنا بأن نعتصم ونتوحَّد "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"؟! آية عظيمة لم نفهم معناها كمُسلمين، وطبَّقها غيرنا وكانت النتيجة أننا تخلفنا وراء الركب، وهُم... قادوا القاطرة!

تعليق عبر الفيس بوك