عمان.. لواء التجديد والمعاصرة

علي بن بدر البوسعيدي

شخصت الكلمة التي ألقاها الدكتور عبدالرحمن بن سليمان السالمي في مفتتح أعمال النسخة الرابعة عشرة لندوة تطور العلوم الفقهية، والتي تجيء هذا العام تحت عنوان "فقه العصر: مناهج التجديد الديني والفقهي"؛ شخّصت التحديات التي تحيط بالأمة الإسلامية إحاطة السوار بالمعصم، فقد حوت الكلمة معاني ودلائل من شأنها أن تؤسس لمنظومة فقهية جديدة تواكب تطلعات العصر ومتغيّراته بما فيه صالح المسلمين دون تفريط في كتاب الله وهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لاسيما في ظل مايستجد من قضايا وأزمات تحتم على فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها ضرورة إعمال العقل، والبحث من خلال روح التجديد وافقه المعاصر عن حل للمشاكل التي يعاني منها إنسان اليوم..

فأزمات اليوم التي تقعد بأمة الاسلام والاعتدال وعلى رأسها الفتن الدينية وحرب الطوائف والمذهبيات تعد أكبر دافع ومحفز على العمل على تقليص دائرة الخلاف في شتى المناحي، والبحث عن أفضل السبل المفضية إلى تقديم الفقه الإسلامي في حلة جديدة تجمع بين الأصالة المرتبطة بالمرجعيّة الشرعية والمعاصرة التي تتطلب حلولاً ومعالجات جديدة.

ولايخفى على أحد أنّ الندوة التي تتشرف السلطنة باستضافة فعالياتها وتنظيمها سنويًا بمشاركة أكثر من 60 باحثًا وعالما ومفكرًا من كافة أنحاء العالم؛ قد استشرفت في هذه النسخة آفاقًا علميّة جديدة، فقد نوقشت فيها عدد من أوراق العمل التي اشتملت هذه المرة على موضوعات عدة تتمحور حول عرض إنتاج النظم أو الاجتهادات الفردية، وعرض الموضوعات الخلافية سعياً للوصول إلى توافقات حولها. وطرح مسائل استشرافية في كل أبواب الندوة تقريباً، والتي ركّزت هذا العام على فقه العصر والنظريات الفقهية والمسار الجديد بجانب فقه العصر في مجال الأسرة والمجالات الجديدة كالعلاقة بين الفقه والقانون، والتبرع بالأعضاء والتبرع بالدم والتجارة الإلكترونية وزواج المسيار والسفر.. ولعلّ هذا المنحى الأخير يجيب عن كثير من التساؤلات الحائرة فضلا عن الدفع بأمّة الاعتدال في طريق المواكبة ونمو العقل كنعمة أنعم الله بها على عباده من أجل التفكر والاستبصار، وكما قال المجتمعون والمتحاورون في الندوة إننا نريد بالاجتهاد والفقه المعاصر، أن يُعبّر عن مصالح الجماعة الإسلاميّة، وأن يراعي هذه المصالح مراعاة دقيقة، فلا يخرج عنها، وأن يلبي احتياجات الناس بما يفي بالقصد، بحيث يمهد لهم السبيل إلى الحياة السوية والمستقرة والعيش الكريم وفق ثوابت الشرع وأسس الدين الحنيف.

ونثمن ونشيد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية وهي تبذل مزيدًا منى الجهود من أجل السعي وتطوير مجالات العلوم الفقهية، وكشف مكنونات هذه العلوم، وبيان آثار من مضى من علماء ومفكري الأمة مع توظيف تلك الكنوز وتسليط بؤرة الضوء عليها للإفادة منها في عالمنا المعاصر وحياتنا اليومية في وقت هي أحوج ماتكون فيه لهذا التراث والإرث العلمي الضخم والذي من شأنه أن يتفاعل مع احتياجات اليوم بصورة تتسق وتتناسب مع تطورات الحياة.

وأقول لشيوخنا الأجلاء وضيوفنا الكرام الذين ازدانت بهم فعاليات الندوة مرحباً بكم في بلدكم عمان.. بلد الأمن والسلم والأمان.

تعليق عبر الفيس بوك