أسمع طحنا ولا أرى دقيقا!

علي الرِّيامي

لمْ أعتد الكتابة في بحر السياسة والساسة، وما دفعني للكتابة هو الوضع السيئ الذي تعيشهُ اليوم معظم الدول العربية وللآسف، وقد أطلق عليه "الربيع العربي"، وفي الحقيقة نواجه ربيعا من نوعٍ جديدٍ.

ربيع مخطَّطات الغرب التي تهدفُ إلى تقسيم وحدة الصف العربي (هذا إن كان صفّا واحدا في الأصل)، وهذا ما حصل، مع العلم بأنَّ العرب لمْ يتحدوا مُنذ أنْ خُلقوا حتى في عهد النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- فقد خَرَج عن طريقه أقرب الناس إليه وحاربه وأذاه، ولكنَّه -وبنصر الله- استطاع أنْ ينشر الدين الإسلامي وتعاليمه وشرائعه، وقد استطاع الرسول الكريم تشكيل دولة إسلامية واحدة تدين بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله وعليه وسلم- نبيا ورسولا.

كلُّ ذلك أتى بفضل الله تعالى، بعد أن مكّنَ نبيه مُحمَّدا في الكثير من المعارك التى خاضها لإخضاع من خرج عن ملة الإسلام.

وبعد وفاة الرسول الكريم -صلوات الله عليه- بدأتْ الدولة الإسلامية تتفرَّق وتتشتَّت وتظهر الدويلات من هنا وهناك، لتنتقل الخلافة إلى ما يُسمى بالدولة الأموية، فالدولة العباسية في عصريها الأول والثاني، وهكذا إلى أنْ وصلت بنا الحال إلى عصرنا الحديث.

العصرُ الذي بدا مُغايرا للنهج الرَّباني والمنهج النبوي وللآسف؛ فقد شاع فيه القتل باسم الدين، وتفرَّق الناس، وتقسَّمت الدول، وأصبح الواحد منا يقتل أخاه لأتفه الأمور وكل ذلك باسم الدين.

استطاع الغرب اليوم أنْ يخترق الصفوف العربية بزرع الطائفية بينهم، وتأجيج أوضاعهم بما شرعته من اختلافات مذهبية وعرقية جعلتهم يتفرقون ويتحاربون ويتطاحنون، المسلم يَقتل أخاه المسلم، ويُقتل الطفل والكهل، وترمَّل النساء، ويُيتم الأطفال، ويقل الزواج، وتكثر العوانس، وتشيع الفاحشة والمنكر، وهذا ما يهدف إليه الغرب.

أصبحنا لا نعرف اليوم من هو عدونا، وكما يقال: "احذر من عدوك مرة، ومن صديقك ألف مرة". فقد ساهمت الحكومات العربية في خلق جيلٍ من الشباب العاطل عن العمل، بما اتبعته تلك الحكومات من سياسات خاطئة هدفها مصلحة ذواتها وللآسف، وهذا ما جعل من الشباب الباحث عن الحياة الكريمة ينفجر في وجه التسلط والمتسلطين والمخربين للآمال والطموحات.

فغرِّر بهؤلاء الشباب، وانضموا لمنظمات تقتل وتنهب وترتكب الفواحش باسم الدين. انفجرت الشعوب في وجوه حكوماتها بحثا عن لقمة العيش، واستطاع العدو من تمكين الشباب في الخروج عن حكم حكوماتهم، وهذا ما حصل في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وكذلك العراق وفلسطين والسودان.

في الابتدائي تعلمنا عدد الدول العربية 22 دولة، أما اليوم فلا أستطيع حصرها ولا أكاد أعرف الدول العربية الجديدة التي نشأت جراء هذه المعمعة المخربة في البلاد العربية.

كلُّ هذا يضعف الدول ويمزقها ويشتتها ويؤخرها عن مسار التقدم ومواكبة التطور، فتهدمت البُنى الأساسية والعقلية والنفسية والاجتماعية والثقافية بما نعايشه اليوم من مدمرات للحياة وسعادتها.

نستضيفُ عدوًّا لدودا يغتصب أرضنا ويحتل قبلتنا الأولى أرض الحرم الشريف ومعراج سيّد الأنام، هذا العدو أصبح صديقا معززا مكرّما، وذلك بما قدّمته تلك النفوس التى جعلها الله تقود الشعوب من تسهيلات لتمكينهم في أرضنا واغتصاب مقدساتنا وتدمير هويتنا وطمس عروبتنا ودهس كرامتنا وامتهان عظمتنا.

استطاعتْ الشعوب اليوم من تكوين تحالف قوي قوامه ما يقارب الـ200 طائرة حربية و150 ألف مقاتل، لمحاربة العدو؟! للآسف الإجابة لا، لمحاربة صديقٍ وجار، لمحاربة من ينطق بالشهادتين، لو اتحدنا لدحر العدو لكان أفضل من دحر الصديق والقريب.

لقد هانت الشعوب وأصبحت أدوات تُسخَّر للحرب والقتل، أين نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! أين نحن من قوله تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا"؟!... فإنا لله وإنا إليه راجعون.


* أكاديمي بجامعة صُحار

تعليق عبر الفيس بوك