عفوا اتحاد الكرة.. إننا نتراجع

أحمد السلماني

جاهدتُ نفسي كثيرا قبل أن أكتب هذه السطور من أجل تجاوز كرة القدم، والحديث عن لعبة أخرى، أو موضوع رياضي آخر، ولكن في كل مرة أجدني مُضطرا إلى الحديث عن هذه المجنونة التي كانت ولا تزال أفيون الشعوب، التي ما فتئت تُواجه مُرَّ الحياة وهمومها بالهروب نحو مُدرج لملعب ما، تلعب فيه مُباراة ليتخدَّر ذلك الإنسان، ولو لساعة ينسى بها همومه، ويتعاطى مع جماليتها.

فجأة.. وبدون مقدمات، وعلى مائدة الغداء، سألني ابني -الذي لم يتجاوز التاسعة، والمولع بكرة القدم- أبي.. فزنا ببطولة آسيا الشاطئية، ولكن ما البطولات الأخرى التي حققناها؟ سُؤال بلغة بسيطة، ولكن -وبأمانة- وقفتْ اللقمة بفمي، لم أتمكن من بلعها، فلم أعتد أن يسألني أحد لطالما كُنتُ أنا من يسأل، ولكن هذه المرَّة الوضع اختلف، فبماذا أجيب؟

إنها يا بُني بُطولات لا تتجاوز عدد أصابع اليدين طوال 45 عاما من رحلة كرة القدم في بلادي، الملاعب تنتشرُ في كل مكان، الأزقة والحارات والشواطئ وملاعب الفرق والأندية، وصولا للمجمعات.. كلها تشتعلُ مساءً وحتى وقت متأخر من الليل، دوريات على مستوى الفرق والأندية طوال العام، ومشاركات في مُختلف البطولات، لكن المحصِّلة لا ترقى أبدا لعدد من يركض خلف هذه المجنونة.

.. تعاقبتْ الاتحادات الكروية على منظومة كرة القدم العمانية، واحدا تلو الآخر، وتطوَّرت أدواتها، وزاد حجم موازناتها، والمؤسف له أنَّنا نتراجع والآخرون يتقدمون، أو أننا قد وقفنا عند إنجازات بعيْنِها تخدَّرنا معها، وعشنا أفراحها طويلا، وتناسينا أنَّ العالم يتحرَّك ونحن محلك سر!

وقبل يومين، نزلَ التصنيفُ الدولي لمنتخبات كرة القدم، وبقدرة قادر، ومن مباراة واحدة خسرناها بالأربعة أمام الجزائر، زُجَّ بمنتخبنا إلى التصنيف الثاني على مستوى القارة، بعد أن كُنَّا في التصنيف الأول، والذي كان سيُريحنا نسبيا، ويجنِّبنا صدامَ القوى الكروية العُظمى بالقارة في التصفيات المؤهلة للنهائيات الآسيوية وكأس العالم، ولكن أبى رجال الأحمر إلا أن يُوقعوا أنفسهم -ونحن معهم- في هكذا مطبَّات.

ألم تُدرك إدارة المنتخب وجهازها الفني أهمية المباراة وقوة الخصم، وحاجته الماسة لأن يستعيد الثقة فتحقق له ما تمنَّى وبنتيجة مُذهلة ومذلة للأحمر؟! ألم يُدرك الفرنسي لوجوين أنَّه يُواجه واحدا من أعتى فرق العالم حاليا، وأنه من الضروري بمكان الاستفادة من هذه الودية بالخروج بنتيجة إيجابية بكل المعايير، مستوى ونتيجة؟! ألم يقهر الأشقاء القطريون مُنتخب الجزائر قبل موقعتنا بأيام قلائل؟!

شخصيًّا، أحمِّل الثالوث -إدارة المنتخب، وجهازه الفني، ولاعبيه- مسؤولية المباراة، والحلقة الأخيرة تتحمَّل كثيرا بعد أن أظهرتْ استسلاما واضحا وعجزا كبيرا واستهتارا بخصم قوي، وفقدان التركيز كان السمة الأبرز، ويبدو أنَّ الأشقاء الجزائريين كانوا غاية في الشفقة بلاعبينا فخرجوا بالأربعة.

وفي المقابل، فرُبَّ ضارَّة نافعة؛ فمعنى أنْ يتواجد مُنتخب أقوى في مجموعتك فهو مَدْعاة لك لكي تستعد جيدا لما هو قادم؛ فمع كلِّ التقدير لمنتخبات ماليزيا وبوتان وسيرلانكا، فاليابان أو أستراليا أو كوريا الجنوبية أمرٌ مختلف تماما، ولكن هذا الاستعداد وقبل أن يبدأ وتنطلق التصفيات في يونيو المقبل، فإنَّنا بحاجة ماسة إلى أن نعيد الكثير من حساباتنا، وقبل ذلك كله أن يعي لاعبونا قيمة شعار الوطن وهم يرتدونه، وأولهم على الإطلاق الأمين علي الحبسي حارس مرمى المنتخب، الذي قدم الكثير والكثير، وكلمات الشكر والثناء لا تفيه حقه، ولكن الوطن ملكٌ للجميع، وآن لهذا الفارس أن يترجَّل مثلما فعلها كثيرون من جيله؛ فالأهداف التي ولجت مرماه من الصعب أن تهز شباكه قبل 5 سنوات مثلا، وآخرون يُدركون قبل غيرهم أن هناك من هو أفضل منهم، ولكن يأبى الفرنسي لوجوين أن يجتهد في تعديل القائمة، والتحلي بالشجاعة في الاستغناء عن أوراق أصبحت بالية، ويكفي ما قدمته.

شخصيًّا، وزملاء لي في المهنة، طُلب منا الرأي في بقاء الفرنسي لوجوين على رأس الجهاز الفني من عدمه، وكان رأيي أنَّ القرار مُتأخر، والتصفيات على الأبواب، وبقاؤه أفضل طالما أنَّ القادم الجديد سيأتي بعد أن ينتهي الدوري، ولن يتمكَّن من الوقوف على اللاعبين ومستوياتهم؛ وبالتالي استمراريته أفضل لنا.

واليوم، وبرسالة واضحة وموجَّهة للسيد رئيس اتحاد الكرة، نقولها: "لطالما دعمنا توجهاتكم أملا في الاستقرار ورقي الكرة العمانية، ولكن حُبَّ الوطن لا مُزايدة فيه، وشخصكم فضلا عن مؤسسة الاتحاد من يملك مفاتيح مَبْدَأي الثواب والعقاب، وأنتم قبل غيركم من يملك القدرة على حثِّ لوجوين ولاعبي المنتخب على إدراك قيمة شعار المنتخب؛ لذا فنعتقد أنَّه وبعد أن هدأتْ النفوس ورستْ سفينة الاتحاد بعد عاصفة الحجب، فلا عُذر لاتحاد الكرة في التخلي عن مسؤولية وجود المنتخب في مصاف منتخبات القارة الأولى!!!

تعليق عبر الفيس بوك