العرب.. الصورة المهزوزة

د. سيف المعمري

لو سألت أي عربي: هل تتمنى أن تكون عربيا؟ أجزم بأنّ الإجابة ستكون "لا" سيما في هذه الفترة التاريخية التي بدأ بصيص النور الذي يشع في آخر النفق المظلم الذي تعيشه الأمّة من انقسامات وصراعات وتخلف حضاري شارف على الانطفاء، فما الذي يبعث على الفخر بهذا الانتماء، إذا كان الحاضر قاتماً بهذا الشكل؟ ما الذي يمكن أن يُقال إلى الملايين من الأجيال العربية الصغيرة عن وطنهم العربي، وحالة الإحباط تسيطر عليهم، وتدفعهم إمّا إلى حرق أنفسهم، أو إدمان المخدرات، أو الوقوع في شبكات الجماعات الإرهابيّة، أو الهجرة بعيدًا على قوارب قليل منها الذي يبلغ الشاطئ، وكثير منها الذي تبتلعه أمواج المحيط، هؤلاء الذين يرغبون في الهجرة من المراهقين بلغت نسبتهم 54% حسب تقرير الإنسان العربي في عام 2000م، فكم يا ترى نسبتهم اليوم بعد أن تلاشت الأحلام في حدوث تغيير حقيقي يعيد للإنسان العربي كرامته وإحساسه بالأمان الذي يدفعه إلى الإبداع الذي سوف يغيّر الصورة النمطيّة السلبيّة التي يصور بها من قبل كثير من الثقافات وفي مقدمته الثقافة الإسرائيليّة والأمريكية على وجه الخصوص والثقافة الغربية على وجه العموم.

إنّ انتعاش القوميّات التي تحيط بالعرب وتعزيز مقوّمات قوتها كالقوميّة التركيّة، والقوميّة الفارسيّة، والقوميّة اليهوديّة، وضعف العرب، يثير كثيرًا من الألم النفسي لدى قطاع كبير من الشباب العرب، حيث يرون أنّ في الوقت الذي تعزز فيه هذه القوميّات التي يجمعهم معها تاريخ طويل من الصراع، والتأثير والتأثر من قوتها السياسية والاقتصادية مما يجبر القوى الكبرى على احترام قراراتها، والتعامل معها بحذر، يجدون عالمهم العربي يفتقد للقرارات المحترمة عالميًا، نتيجة الأوضاع التي يمر بها والتي أبسط ما يقال عنها أنّها تقود إلى دمار شامل لكل شيء للثروات البشرية والطبيعية، مما يضاعف من مأساة هذا الوطن العربي؛ الذي ضحى كثير من أبنائه من أجل أن يرونه حرًا قويًا متقدمًا، لكنّه أصبح بمرور العقود أسوأ مما تخيّلوا، وكرّس ما جرى من الصورة السلبية التي أصبحت تدرس للطلبة في إسرائيل وأمريكا.

إنّ صورة العرب في نظر الآخرين صورة سلبية ثابتة؛ حيث لم يظهر أي شيء يمكن أن يقود إلى تغييرها، فهذا العربي- ليس ذلك العربي الذي خرج في صدر الإسلام من المدينة وتفوق على أكبر إمبراطوريّتين في تاريخ العالم هما الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسيّة، هو كما تصفه مضامين الكتب المدرسية مختلف تماما عن أبناء عصره ممن يتقاسمون إنجازات هذا العالم وابتكاراته، فدراسة إجراها علي (2013) حول ما يدرس عن مصر في المناهج الإسرائيلية بعد اتفاقية السلام كشفت عن تصوير مصر بأنّها الدولة المتخلفة في البنية التحتيّة والزراعة والصناعة والسياحة وأحوال سكانها الاجتماعية سيئة، كما عمدت إلى عقد المقارنات بينها وبين إسرائيل لبيان تفوق إسرائيل عليها في جميع المجالات ولم تشر الكتب الإسرائيلية إلى أي نواح إيجابية في مصر كما ركزت على أنّ مستقبل مصر لا يبدو زاهراً وأنّ على الأمة المصرية أن تبذل جهود هائلة لتسير على الطريق الصحيح، وكشفت دراسة باحث آخر يدعى مالي (2006 Malli) هدفت حول صورة الصراع العربي الإسرائيلي في (131) كتابًا من كتب التاريخ المدرسي وكتب التاريخ المعطاة للشباب الذين يرغبون بالمطالعة أكثر في المجال التاريخي أو ما يمكن أن نسميه بالمقررات الاختيارية أنّ هذه المناهج تحتوي الكثير من العبارات التي تظهر العرب بصورة سيئة والقليل من العبارات التي تحمل مؤشرات إيجابية. بل إنّ باحثا آخر يدعى دانيل (Daniel, 2001 ) كشف عن صورة سلبيّة جدًا عن العرب في كتب التاريخ في المدارس الثانوية التي تصفهم بالعدوانية وبأنّهم منزوعو الشرعية والهوية بل إنّهم وصفوا فيها بأنّهم حيوانات عنيفة، وهي نفس المضامين التي ركزت عليها المناهج الأمريكية كما كشفت دراسة سينسوي (2004 ,( Sensoy التي وجدت هذه الكتب تصف العرب بالتخلّف الحضاري والقمع بينما وصفت الأمريكان بالتمدن والاعتماد على الذات والسعي للعمل.

إنّ هذه الدراسات مجرد أمثلة لعدد كبير من الدراسات التي كرست صورة سلبية عن الإنسان العربي بغض النظر عن الدولة التي ينتمي إليها، صورة تربط هذا الإنسان بالتخلف الذي يجعله عدوانيًا ومحبا للحرب والصراع، إنسان من وجهة نظر هؤلاء الباحثين غير قادر على تحقيق شروط المدنية الحديثة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، فمن الناحية السياسية لم ينجح العرب في بناء ديمقراطية كما نجحت دول العالم، مما أتاح فرصة كبيرة للانفراد بالقرار السياسي مما أثر في بنية الدولة التي سقط بعضها، وبعضها الآخر لا يزال متأرجحاً، يحاول أن يكيّف نفسه مع التقلبات التي تشهدها المنطقة، ولكن لا ضمانات يمكن أن يركن إليها، أمّا من الناحية الاقتصاديّة فالعرب يمتلكون النسبة الكبيرة من احتياطيات النفط الذي يحرك الحياة في العالم اليوم، ومع ذلك فهم غير قادرين على توظيفه بشكل أمثل لخدمة مصالحهم، هم فقط يوظفونه لإضعاف بعضهم بعضا، ومن الناحية العلمية لا تزال في الوطن العربي نسبة عالية من الأمية مقارنة بالعالم المتقدم، ورغم انتشار التعليم والجامعات إلا أنّها لا تحقق نجاحًا يذكر في دعم الاكتشافات العلميّة الحديثة في العالم.

إنّ تزايد حدة الانقسامات والصراعات المسلحة في كثير من البلاد العربية اليوم، تزيد من تكريس الصورة المهزوزة للعرب أمام العالم، صورة الإنسان المهدور الذي يسأل هل قدر على العرب أن يكونوا متفرّقين في وقت تجتمع فيه القوميّات الأخرى وتتحد؟ هل قدر عليهم أن يهدروا ثروات بلدانهم في وقت تستغل فيه القوميات الأخرى ثرواتها المحدودة لتعزيز وجودها والحفاظ على نفسها من التحديات الخارجيّة، هل قدر عليهم أن يفرطوا في كفاءتهم البشريّة المبدعة في الوقت الذي تسعى فيه قوميات أخرى إلى الاستفادة منهم؟ هل قدر عليهم ألا يستطيعوا الخروج من هذا الإطار الذي وضعوا فيه أو أن يضعوا صورة أخرى لهم فيه، تقول للعالم إنهم صناع حضارة، وإنّ لديهم من الحكمة ما يستطيعون توظيفه لوقف كل هذا العبث الذي يحدث في بلدانهم المستقرة والمضطربة والتي تمر بحالة حرب، فالواقع أنّ العرب اليوم ليس لديهم أي تفكير في المستقبل فجل تفكيرهم في الحاضر فقط، وكيفية التغلب على ما به من مشكلات.

هذه الصورة العربية المهزوزة عن العرب تحتاج إلى من يستشعر خطورتها وتأثيراتها النفسيّة تحتاج إلى اللجوء إلى الحكماء من العرب الذين يكونون مثل أكثم بن صيفي الذي خطب أمام كسرى ضمن وفد من رجال الحكمة والمعرفة عند العرب أرسلهم النعمان بن المنذر لما سمعه من كسرى من تنقّص وتهكم بالعرب، فلما سمع كسرى خطبته قال: "لو لم يكن للعرب غيرك لكفى"، فمثل هؤلاء الحكماء يستطيعون أن يوقفوا هذا العبث والجنون بمصائر الأمّة التي شرّفها الله بأن يكون منها آخر الأنبياء والمرسلين، وأن يكون بلغتها القرآن المجيد، فلا يعقل أن يصل تعداد هذه الأمة بعد خمس سنوات إلى حوالي (459) مليون نسمة ولا تزال ضعيفة منقسمة تقتل الحياة التي تتشكل في أي شبر منها.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك