الغسل تعميم البدن بالماء بنية معتبرة .. والاحتلام يوجبه مطلقا

الرؤية - مالك بن أحمد الهدابي

أوضح الداعية والكاتب بدر الشيذاني أن الغسل - بضم الغين، - يختلف عن الغَسْل، فالغسل في البدن، وغسل الأعضاء وفي غيرها، كالثياب ونحوها. والغِسل - بالكسر- فهو اسم لما يغسل به من صابون ونحوه، والغَسل - بالفتح - اسم للماء، فإذا قلت: غِسل - بكسر الغين - كان معناه الصابون ونحوه مما يغسل به، وغَسل - بفتح الغين- كان معناه الماء الذي يغتسل به.

وقال: الغسل لغة: غسل الشيء، إزالة الوسخ ونحوه عنه بإجراء الماء عليه، أو سيلان الماء على البدن مع الدلك، والغُسل اسم من الاغتسال، وهو غسل تمام الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا، واصطلاحا هو غسل البدن، واسم البدن يقع على الظاهر والباطن، إلا ما يتعذر إيصال الماء إليه أو يتعسر، فصار كل من المضمضة والاستنشاق جزءًا من مفهومه، فلا توجد حقيقة الغسل الشرعية بدونهما.

والغسل شرعا: تعميم البدن بالماء بنية معتبرة. أو: إيصال الماء الطهور إلى جميع البدن بنية استباحة الصلاة مع الدلك. أو: استعمال الماء الطهور في جميع البدن على وجه مخصوص. أو: استعمال ماء طهور في جميع البدن، على صفة مخصوصة، على وجه التعبد لله سبحانه.

والغسل واجب إذا وجد سبب لوجوبه. لقوله تعالى: "وإن كنتم جنبا فاطهروا". ولقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا" .

كما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده"، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".

وأضاف الشيذاني : أنه جاء في المعارج للإمام نور الدين السالمي رحمه الله: " والغسل: وهو بالضم، اسم للاغتسال المعروف، وبالفتح مصدر غسلت الشيء، وبالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره.

وقال ابن العربي: لا خلاف أعلمه: إنه بفتح الغين اسم الفعل، وبضمها اسم الماء. وقال غيره: الغسل بالضم: الفعل، وبالفتح: الماء على الأشهر. وقيل: إنه إن أضيف إلى المغسول كان بالفتح، وإذا أضيف إلى غير المغسول كان بالضم كغسل الجنابة. " المعارج، والغُسل هو: إفاضة الماء على الشيء لغة، والغسل مصدر من غسل الشيء يغسله غَسْلاً وغُسْلاً، وهو تمام غسل الجسد كله.

وجاء كذلك في المعارج لنور الدين الإمام السالمي رحمه الله: " فأما الغسل من الجنابة: فهو فرض، لقوله تعالى: " وإن كنتم جنبا فاطهروا "، وإنما يهلك تاركه بتركه حتى تفوت الفريضة، أو يطلع الفجر من رمضان إذا أخر الاغتسال مختارا وكان في حضره، فإنه من أصبح جنبا فقد أصبح مفطرا " .

بقية من دين إبراهيم

والغسل من الجنابة بقية من دين إبراهيم وإسماعيل على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام، كما بقي الحج والنكاح، ولذلك نذر أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. قيل: ولهذا لم تحتج العرب إلى تفسير ذلك بالكتاب العزيز، بل قيل لهم "وإن كنتم جنبا فاطهروا ". ولما كانت الطهارة الصغرى وهي الوضوء لا تعرفها العرب بيّن لهم ذلك في كتابه فذكر الأعضاء المغسولة في قوله تعالى: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. " .

وتابع الشيذاني: إن الجنابة لغة مأخوذة من البعد، ومنه قوله تعالى: (والجار الجُنُب) أي البعيد الذي ليس بقرابة. وقيل في سبب تسمية الجُنُب جُنُبا: أنه مجانب للطهارة ومجانب للعبادة . وقيل: لأنه جانب امرأته، أي خالطها، وهو الغالب في الجنابة. وقيل: لأن الملائكة تجتنب الجُنب وتبتعد عنه.

وكلها معانٍ واردة في اللغة، فالجنب مجتنب للعبادات، وأن الملائكة تجتنب الجنب ولا تقربه، كما ورد بذلك الحديث. قال - صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ. رواه أبو داود .

فالجُنُب: هو من أصابته الجنابة، بأحد موجباتها، والغسل في حقه واجب - على المكلف البالغ العاقل - ذكرا كان أو أنثى إذا طرأ موجب من موجبات الغسل.

موجبات الغُسل

وتشمل موجبات الغسل:

1- التقاء الختانين والمقصود به: تغييب حشفة الذكر في فرج المرأة، ولو لم ينزل المني. والمقصود بالحشفة: هي رأس الذكر. فتغييب حشفة الذكر كلها أو قدرها في الفرج، وإن لم يحصل إنزال بلا حائل موجب للغسل، لقوله - صلى الله عليه وسلم:" إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان، وجب الغسل" . أما إذا نام الرجل مع زوجته ومسها بشهوة من غير إيلاج في الفرج ومن غير إنزال فلا يجب عليه الغسل‏.‏

٢- الاحتلام. والنائم الذي يجد الأثر لا يخلو من ثلاث حالات :

- الأولى: أن يستيقظ ويرى بللا في إزاره أو سراويله، ويكون قد رأى في منامه أنه احتلم، فهذا يجب عليه الغسل.

- الثانية: أن يجد بللا يسيرا ويتيقن أنه ليس بمني، فهذا ليس عليه سوى غسل موضع النجاسة أيا كان، وغسل إزاره أو سراويله، والوضوء.

إذن: من استيقظ من نومه وشك أنه قد احتلم فنظر في ملابسه الداخلية فلم يجد منيا‏ً فالأصل أنه لا يجب عليه الغسل، واليقين لا يرتفع بالشك.

كذلك بالنسبة للمرأة: ليس على المرأة التي تشك في وقوع الجنابة غسل بمجرد الشك؛ لأن الأصل عدم الجنابة‏.‏ كما أن الأصل براءة الذمة من وجوب الغسل‏.‏

- الثالثة: أن يستيقظ ويجد بللا ولا يذكر احتلاما، فهذا يجب عليه الغسل.

وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما . قال: يغتسل. وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يرى بللا. قال: لا غسل عليه، فقالت أم سليم: هل على المرأة ترى ذلك شيء؟ قال: نعم إنما النساء شقائق الرجال.

ويقول إمام السنة والأصول، علامة المعقول والمنقول، الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي حفظه الله: "… وكذلك اتفق العلماء على وجوب الغسل من الاحتلام إذا وقع الإنزال، هذا بالنسبة إلى الرجل. وأما بالنسبة إلى المرأة فقد اختلف العلماء في ذلك: ذهب جمهورهم إلى وجوب الغسل عليها. وذهبت طائفة من أهل العلم إلى عدم الوجوب. والقول الصحيح الراجح أن ذلك واجب، لأدلة صحيحة ثابتة من سنة رسول الله - صلى الله وسلم وبارك عليه-."

3- خروج المني دفقاً بلذة، لأنّه قد يكون بغير جماع ولا احتلام، كمن يمارس العادة السرية السيئة المحرمة. وخروج المني من مخرجه، يشترط فيه أن يكون دفقاً بلذة من ذكر أو أنثى، لقوله تعالى: " وإن كنتم جنبا فاطهروا"، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - كرم الله وجهه -: " إذا فضخت الماء فاغتسل". ما لم يكن نائمًا ونحوه فلا تشترط اللذة؛ لأن النائم قد لا يحس به، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل: هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء"، ولحديث أم سلمة - رضي الله عنها قالت: (جاءت أم سليم إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - فقالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: نعم، إذا رأت الماء. فقالت أم سلمة: يا رسول اللَّه وتحتلم المرأة؟ فقال: تربت يداك فبم يشبهها ولدها)، أخرجه مسلم.

وجاء في المعارج لنور الدين السالمي رحمه الله: " ويجب - أي الغسل - بإخراج الماء الدافق، سواء خرج بجماع أو بغير جماع، كان بحلم في نوم أو بتشهّ في يقظة، كل ذلك سواء، ويجب به الغسل على الرجل إجماعا.

وفي وجوب الغسل به على المرأة خلاف: إذا خرج من غير جماع، لا إذا خرج بالجماع فإنه يجب عليها الغسل حينئذ إجماعا. أما إذا خرج الماء الدافق من المرأة بغير جماع: فقيل: يجب عليها الغسل، وهو الصحيح كما ستعرفه إن شاء الله. وقيل: لا يجب عليها. " المعارج.

وقد يخرج المني من غير لذة، أو يخرج من غير دفق، فهذا فساد، وليس على من أصيب به غسل، وإنما عليه الوضوء، حكمه حكم سلس البول . فالاضطراب والانتشار شرطان في وجوب الغسل بخروج المني، فإذا لم يخرج هذا المني بهذه الحالة فهي نطفة ميتة لا يلزم منها الغسل كالمذي. أو قد يخرج المني مع البول وبعده بدون شهوة، فلا يجب الغسل، وأن ما يخرج مع البول بدون شهوة ودي نجس كالبول ولا يجب الغسل منه ويجب أن يغسل مكانه‏.‏

الحاصل أن هناك حالتين لخروج المني:

أ- في حالة النوم، ويعبر عنه بالاحتلام، ويوجب الغسل مطلقا، سواء كان بلذة أم بغير لذة، فإذا استيقظ المكلف من النوم ووجد بللا في ثوبه وشك هل هو مذي أم مني وجب الغسل، وإذا ظن أنه مذي وتوهم أنه مني فليس عليه غسل، وكذا لو شك هل هو مذي أم ودي أم مني فلا يجب الغسل، لأن الشك بين ثلاث يصير كل واحد وهما، وإذا تحقق وجود المني ولم يدر منذ متى، وجب عليه الغسل، وأعاد الصلاة التي صلاها بعد آخر نومة نامها.

تعليق عبر الفيس بوك