إلى أين تمضي بنا الحرب؟

عهود الأشخرية

الطريقُ طويل، لم يحن الموعد حتى الآن.. فإلى ماذا تنظر الوردة التي شقَّت الصخرة لكنها لم تستطع التحليق أبعد من ذلك؟ العابرون في الظلام بلا قناديل؛ بلا ضوءِ خُطاهم؛ إلى أين يمضون ولا خرائط تمضي معهم ولا بوصلات منسيَّة في ذات الجهات التي يسيرون إليها. منذ بدء الحرب الأولى على هذه الأرض ونحن نبحث عن صفاتنا القديمة؛ منذ حرب التفاحة المحرَّمة، وحرب هابيل وقابيل...وغيرها من الأساطير التاريخية التي لا مجال فيها للدقة غالبا، أو بالأحرى أنها قائمة على فهم اللغة التي وصلتنا من خلالها على امتداد العصور، ما زلنا نبحث من خلال اللغة عن ذواتنا الحائرة؛ لذا هناك ما سُمِّي بـ"أدب الحرب"، فكانت الحرب في البدء ثم كانت اللغة. أو ربما عكس ذلك.

الأدب والفن في حقيقتهما منذ النشأة كانا روحا حية تبثُ قوة ومقاومة أكثر من أنها تشغل حيزا من اللا جدوى. أما عن أدب الحرب خصوصا، فهو لا يمكن أن يجعل الحرب لينة أكثر ولا باردة أكثر مما هي باردة وساخنة؛ لكنه يبعث فينا رسائل تخفف من وطأة الدمار الداخلي حتى ولو لم تفعل مع ما هو بالخارج، حقا يجب على الإنسان أن يسجل أفكاره وانفعالاته التي تصل إلينا رسائل من بنفسج وإن كان هذا البنفسج ذابلا ذبول الجثث التي طال وجودها في ساحات الحرب.

"هذي هي الحرب تفتح نافذة الحب للقاتلين، وللعاشقين ستفتح نافذة القبور".. هذا ما قاله الذي عاش في بلاد عُرفت بالحرب؛ "رياض الصالح الحسين" الذي كتب الحرب في أكثر من زاوية مؤلمة، كتب عن الدمار في سوريا وهو الذي قال عنها "يا سوريا التعيسة، كعظمة بين أسنان كلب" وكتب عن الحرية، والعدالة، والوردة التي يجب أن تنبت بسلام في تلك الأرض؛ هذه الوردة كتب عنها شاعر آخر من سوريا وهو "حسن إبراهيم الحسن" وقال عنها: "ستواصل الأزهار مهنتها وتطلع في الربيع، أماما حدائق البنادق غير آبهة بأعباء الحصار، فربما صارت هدية طفلة لأب يعود، وربما وخزت بجندي من الغرباء ذاكرة الطفولة وهو يبكي" وهو الشاعر ذاته الذي كتب "هوامش من دفتر الحرب"، وهي نصوص احتوت على عدد من النصوص عن الحرب، عن هذا الألم الإنساني الذي يغلي فيه وكان يجب أن يخرج بطريقة أو بأخرى.

"أدب الحرب" هو قيمة إنسانية عميقة بقدر الشرارة التي يمكن يحدثها في دواخل القارئ، إنَّه يدافع عن الحياة أكثر من أنه يمجد الحرب وكل المساوئ التي تتبعها من قتل ودمار، وهو لشيء جميل أن يدافع الإنسان على الحياة من خلال الكتابة لغرض جمالي وإنساني برغم التجربة القاسية التي تنتجها هذه الحرب، والانتماء إلى الوطن تحديدا هو ما يجعل تجربة الكتابة أكثر ألما في الروح؛ فتنضج التجربة بصورة سريعة لأنَّ كميات من الألم تتراكم في روح الكاتب، فتدفعه إلى الكتابة بكل تلك الصور التي عاشها بشكل مباشر أو غير مباشر. "جون كينيدي" يقول أيضا في نطاق "أدب الحرب": "على الإنسانية أن تضع حدًّا للحرب؛ وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية"، رغم أنَّ ما يجب علينا التعايش مع وادراكه تماما أن عالمنا لن يكون خاليا من الحروب بشتى اختلافاتها، أو وجودها؛ لذا فإنَّ على هذا العالم أن يجد سبيلا لكي يستطيع الإنسان أن يعتبر هذه الأرض مكانا مناسبا للحياة عليها، لا سبيل لكي يجد الطريقة اللائقة للموت.

ومن نظرة أخرى، فإنَّ الكثيرَ من الناس يظنون أنَّ الذين يلتفتون إلى الفن والأدب والثقافة في إطار الحرب والقتل لا يُبصرون الحقيقة كما يجب؛ لأنهم لا ينظرون إلى الواقع بالطريقة المناسبة حسب اعتقادهم؛ بل إنهم يذهبون في ذلك لأغراض مختلفة غير الحرب، وهذا يمكن أن يكون أحيانا أمرا طبيعيا من ناحية؛ ذلك أننا في الحرب لا نحتاج أن تصلنا صور الموتى والدمار بشكل مجازي؛ لكننا نريد أن ننسى القلق الذي نعيش فيه بقراءة الجمال، وبالفنون المختلفة، حقا نحن لا نحتاج إلى حرب أخرى تعمق الحرب الموجودة منذ الأزل، يقول في ذلك "هاروكي موراكامي": "استمع جيدا، لا وجود للحرب التي ستنهي كل الحروب"، حقا لا توجد حرب قد تنهي كل الحروب، بل هناك حروب أكثر فأكثر تزيد من كمية الأخطاء على هذه الأرض، ومن تعاسة الإنسان.

Ohood-Alashkhari@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك