"عاصفة الحزم" ومكافحة الإرهاب تمهدان لتشكيل قوة عسكرية عربية موحدة لمواجهة تهديدات المرحلة

الرؤية- إسلام حسين البِيَلي

 جاءت الغارات الجوية المفاجئة التى استهدفت مواقع عسكرية واقعة تحت سيطرة الانقلابيين الموالين لـ"عبد الملك الحُوثي" باليمن والتى شنها "التحالف العشري" بقيادة المملكة العربية السعودية وباشتراك دول مجلس التعاون الخليجي -ما عدا عُمان- إلى جانب مصر والأردن والسودان وباكستان التى أعلنت أن أى تعدٍ على الأمن القومى للسعودية يمثل تعد على أمنها. جاءت لتكشف عن توجه جديد في السياسة العربية، والتحول لأول مرة إلى لعب دور الفاعل والمبادر لحل المشكلات بمشرط جراح دون انتظار الحلول الخارجية المُعلبة المفروضة عادةً بالقوة من الولايات المتحدة والغرب، ويمثل هذا التحرك المباغت تغييرًا كبيرًا في مجريات الأحداث في المنطقة التى مزقتها الخلافات السياسية والتناقضات المذهبية والصراع على السلطة والمصالح الحزبية والطائفية الضيقة في الآونة الأخيرة دون التركيز على حقيقة أن المنطقة العربية تواجه تحديات هوية ووجود ومصير مشترك.

  

 

الخطر الإيراني

 

 ويعكس التحرك العسكري الخليجي المباشر ضد انقلاب الحوثيين خطورة الوضع الاستراتيجي ونفاذ صبر القوى العربية على التدخلات الجريئة، والتوغلات الإيرانية المتكررة في العمق العربي، وقد بدا جليًا الدور الذي تلعبه إيران في العراق وسوريا ولبنان وأخيرًا ويبدو أنه لن يكون آخرًا في اليمن حيث برزت رغـبة الإيرانيين في استخدام التمرد الحوثي كـ"مخلب قط" للسيطرة على جنوب الجزيرة العربية، وتطويق المملكة السعودية من كافة الاتجاهات، والانقضاض على مضيق باب المندب لإيجاد ذراع لها في هذا الموقع الاستراتيجي الخطير الذي يتحكم في مرور 40% على الأقل من حركة نقل النفط في العالم وتمثل السيطرة عليه تهديدًا خطيرًا لكافة دول المنطقة العربية وعلى رأسها السعودية ومصر ويهدد الأمن القومي العربي بشكل أساسي.

 

كما يبدو أيضًا أن التمدد الإيراني المتواصل منذ عقود وخاصة في السنوات العشر الأخيرة، وانتشار النفوذ الإيراني في العراق ولبنان من خلال إثارة الفتنة الطائفية، وتأليب الجماعات المذهبية، وإثارة القلاقل، وتهديد الأمن والاستقرار، والتدخل في الشؤون الداخلية لمجموعة من الدول العربية كما حدث في ممكلة البحرين عن طريق استغلال بعض السلبيات في النظام السياسي والقصور المتمثل في عدم توفير قدرٍ كافٍ من التمثيل السياسي لشيعة البحرين وعدم إسناد المناصب الرفيعة في الدولة لهم.

 

تحالف صالح والحوثيين

 

وجاءت الحلقة الأخيرة باليمن الذي تسعى إيران عن طريق الدعم المادي والعسكري مؤخرًا إلى استثمار "التمرد الحوثي" المسلح نظرًا لاتفاق الرؤى وتلاقي المصالح الإيرانية الحوثية مذهبيًا فيها، إلى جانب استغلال الإيرانيين أحقاد الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح الطامح في العودة للسلطة مرة أخرى والذي أصبح فاعلا أساسيًا في أحداث اليمن الأخيرة حيث استغل ولاء قيادات بالجيش اليمني والحرس الجمهوري الموالى لابنه وبرز دوره في تسليم الوحدات العسكرية والمدن اليمنية تباعًا لحلفائه الحوثيين، وإرشادهم ومساعدتهم في أعمالهم الإرهابية ضد المواطنين اليمنيين  حتى وصلوا للعاصمة وحاصروها واحتجزوا الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراءه ومساعديه، ولم يُوقف عبث "صالح" بالمشهد في اليمن سوى بدء الغارات الجوية الرادعة للتحالف العربي لمناطق تجمع القوى الحوثية المسلحة، ومواقع بطاريات صواريخ، وصواريخ باليستية ومخازن ذخيرة والتى أفقدت الحوثيين مصادر قوتهم، وقطعت أواصر الاتصال بين تجمعاتهم على الأرض، ومن ثمّ دعا "صالح" إلى وقف الغارات والعودة للحوار للمناورة وكسب مزيدٍ من الوقت في حين أمر بتوجيه قواته نحو العاصمة على أمل إحياء صراع بري جديد قد يفيده في النهاية حينما تقر كافة القوى داخليًا وخارجيًا العودة لمائدة التفاوض.

 

شرعية الغارات

 

ولم تكن الضربات العسكرية التى نفذتها قوات التحالف العربي إلا في إطار المواثيق الدولية والبند الحادى والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة وحفاظا على الأمن والسلم الإقليميين، واستنادًا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك والتفهمات الإقليمية والتضامن العربي ونجدة الجار خاصة بعد طلب الرئيس الشرعي لليمن بشكل رسمي التدخل لفرض حظر جوى ومنع تمدد الحوثيين ومنع سيطرتهم على العاصمة المؤقتة عدن ومن ثمّ إسقاط الدولة كما تم في العاصمة صنعاء. 

 

القوة العربية الموحدة

 

وتمهد الضربات العسكرية الأخيرة على مواقع المتمريدن الحُوثيين تدشينًا لعمل عسكري عربي مشترك قد يرقى لقوة عسكرية مشتركة ليس فقط لمواجهة الغرهاب الحُوثي ولكن أيضًا لمجابهة إرهاب الجماعات الدينية المتطرفة التى تنتهج أفكارًا جانحة عن صحيح الدين الإسلامي الحنيف وعلى رأس تنظيم الدولة "داعش"، ولمواكبة التحولات السريعة والتهديدات التى تواجهها المنطقة العربية في إطار السياسة الجديدة التى تنتهجها الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية لحماية أمنها القومي، وقد كثرت المؤشرات على قرب الإعلان عن تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة، خاصة بعد تحمس القوى العربية الكبرى للفكرة -بعد تزايد خطر الإرهاب العابر للحدود- وتشجيع نتائج ضربات "عاصفة الحسم" على تنفيذها الأمر الذي طرحها بقوة علي طاولة مناقشات اجتماعات وزراء الخارجية العرب التحضيرية للقمة العربية المنعقدة حالياً في شرم الشيخ المصرية، ووضِعَت على رأس أولويات القمة، ومن المتوقع إقرارها في البيان الختامي للقمة، ودعوة رؤساء أركان الجيوش العربية للتشاور حول كيفية تشكيلها خلال شهر واحد مع الاتفاق الضمني على النص على مبدأ "التخيير" وعدم إشتراط المشاركة بالقوة العسكرية العربية المشتركة بشكل مُلزم للدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك