قائمة الشراء المزدحمة

أسماء القطيبي

نعيشُ اليوم -أكثر من أي وقت مضى- حياة استهلاكية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ بحيث أنَّ النمط الاستهلاكي أصْبَح سلوكا مُتأصلا عند أفراد المجتمع. يظهر هذا الأمر جليًّا في طريقة التسوق التي نتبعها؛ بحيث أنَّنا لم نعُد نفرِّق بين ما هو ضروري للشراء وما هو كمالي وقابل للاستغناء. لذلك؛ فإنَّ جميع المشتريات تتزاحم لتتخذ موقعا لها في أعلى قائمة التسوق. ورَغْم النصائح التي يُطالعنا بها الخبراء حول طرق التسوق الأفضل وأوقات الشراء المناسبة، فإنَّنا نجدُ أنفسنا أحيانا في وضع صَعْب نتيجة قراراتنا المندفعة في الشراء. قرارات تدفعنا لها طريقة عرض المنتج أحيانا أو فكرته، أو سعره في أوقات التخفيضات.

وفي تجربة قام بها مُهتمُّون وعلماء أعصاب في جامعة "هارفرد" لمعرفة ما إذا كان السعر يلعب دورا أساسيا في قرار الشراء، أو إن كان له أثر كبير في طريقة تقديم الدماغ للمنتج، توصلوا إلى أن السعر يلعب دورا كبيرا في قرار شراء المنتجات النفعية والضرورية مثل الطعام، ودورا أقل في قرار شراء المنتجات التي تتعلق بالترفيه مثل الآلات الموسيقية أو الألعاب، وأن المستهلكين غالبا ما يتعرفون على المنتج واستخداماته، ويتخذون قرارهم مع تخمين سعر معين قبل النظر لبطاقة الأسعار؛ مما يدلُّ على أنَّ العواطف تتدخل في قراراتنا الشرائية بحيث أننا يمكن ببساطة أن نتجاهل الحسابات المنطقية إذا كنا نرغب بشدة في اقتناء المنتج.

وإذا ما كانت العواطف تلعب دورا في شراء الأفراد للمنتج من عدمه، فإنَّ للعقل كذلك دوره في قرار الشراء، والذي يستند غالبا إلى ثلاثة عوامل أساسية؛ هي: العامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ فالجانب الاقتصادي يتمثَّل في المقدرة المادية للفرد على الشراء تبعا لمدخوله. ويتداخل هذا العامل مع العامل الثقافي الذي يقصد به وعي المستهلك بما يحتاجه، هذا الوعي الذي إن قام الفرد بإدراكه ووضع خطة شرائية فإن ذلك سيجنِّبه الأزمات المالية، كما قد يمنحه فرصة للادخار الذي يُحقق نوعا من الأمان للفرد. وبسبب تنافس الشركات الكبرى في ابتكار الطرق للترويج لمنتجاتها -خاصة من خلال الإعلانات- فإنَّ الوعي الشرائي يتراجع أمام مُغريات الإعلانات، خاصة تلك التي يُقدِّمها المشاهير؛ بحيث تقوم بتعزيز النزعة الاستهلاكية للفرد؛ أي أنَّها تجعل من شراء المنتج هدفا في حد ذاته؛ فيُصبح للشراء قيمة أكبر من المنتج. ولعل هذا ما يفسر اصطفاف طوابير من الناس لشراء أحدث هواتف الآيفون دون أن يكونوا بحاجة إلى المزايا التي يوفرها الإصدار الأخير من الهاتف؛ فالمهم هنا سُمْعة المنتج وما يمنحنه لمستهلكه من رمزية تتمثل في كونه شخصا عصريا ومواكبا لكل جديد.

وعلى المستوى الاجتماعي، فإنَّ مُناسبات مثل الأعياد تبيِّن اهتمامَ الناس بإظهار قدرة استهلاكية كبيرة تفوق قدراتهم عادة؛ وذلك كَوْن الإنفاق في مثل هذه المناسبات له دلالات متوارثة تتعلق بمكانة الأسرة الاجتماعية ودلالات أخلاقية مثل الكرم. ناهيك عن الرغبة في التباهي وإظهار التميز خاصة في الأوساط النسائية. ومما يُزيد هذا الأمر سوءا أنَّ ذلك الهوس انتقل من المجالس المغلقة إلى شبكات التواصل الاجتماعي؛ وبالتالي إلى عدد كبير من المتابعين؛ مما أفرز آثار سلبية نتيجة محاولة البعض مجاراة الآخرين في الترف الشرائي. إلى حد أن البعض أصبح يقتني الماركات العالمية ويرتاد المقاهي المعروفة من أجل إظهار أنه لا يقل مكانة (استهلاكية) عن غيره من مُستخدمي هذه المواقع.

وهكذا تتداخل العوامل بعضها ببعض؛ بحيث أنَّ الواحد منا يُصبح غير قادر على معرفة سبب اتباعه لسلوك استهلاكي معين، ولعل إدراكنا لمؤثرات ودوافع الشراء المتعدِّدة يُساعدنا على التيقظ أكثر في المرة المقبلة التي نعد فيها قائمة التسوق؛ بحيث نجنب أنفسنا العشوائية في الاختيار، ونصبح أكثر قدرة على المفاضلة في المنتجات وترتيبها حسب الأولوية؛ فالترف الشرائي قد يوفر متعة مؤقته، لكنه سيحرمنا في المقابل من الادخار لأوقات الأزمات. كما أنَّه دليل على عدم تكيُّف مع المجتمع يتم تغطيته بالإسراف في المظاهر؛ مما يُعطي صورة اجتماعية غير صادقة. ولعلَّ أبرز نصيحة يمكن للخبراء تقديمها لأي مستهلك ليبقى في منطقة الأمان المادي والنفسي هي عدم الاستسلام للضغوط الاجتماعية والإعلانية المبالغ فيها، والوعي الدائم بوضعه الاقتصادي وحدود ما يسمح له دون تقتير وإسراف.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك