كن على مبدئك

زينب بنت محمد الغريبية

عاد من رحلته في الحياة والتي استمرت أكثر من عشر سنين.. وجد المكان هو ذات المكان.. والزمان قد جرى.. إلا أن الأيام هي الأيام.. وأرقام الأيام هي نفس الأرقام.. فقط تغير رقم السنة.. وهل يكفي هذا التغير لإحداث ما وجده من اختلاف في أنفس البشر الذين كانوا؟ هم أيضًا نفس الأشخاص كأشخاص.. إلا أنّ الأطباع تغيرت.. تعاملاتهم تغيَّرت.. فلم تتغير البشرية إنما تغير سلوكهم.. وقلوبهم.. فأصبحت شتّى.. قاسية.. وأنانية.. إلا أنّه عاد مثل ما هو.. فكيف سيكون وسط هؤلاء البشر؟ هل سيجبره الوضع على أن يكون مثلهم.. ليستطيع الحياة بينهم.. أم أن يظل مثل ما هو.. وهل سيتحمل ما يسقط عليه من سوء منهم؟

نداءان في داخله.. لا يعرف أيهما يختار.. لا يستطيع أن يفقد ذاته.. ولا يستطيع في الوقت نفسه أن يفقد كرامته ويعيش في ظلم من حوله.. هل تغير حاله مع مرور الزمن جعل من حوله يتغيرون عليه؟! لم يعد يشعر بتلك الطمأنينة بينهم.. وما عادت تريحه جمعتهم.. جرت به الحياة لتجعله في زمن ليس فيه أَحِبَ لأخيك ما تحب لنفسك..

يا من عُدت للبشر في زمن القهر.. كن على مبدئك حتى لو اجتمع عليك البشر.. فلتثق دوما بالقدر.. وبربك الذي لا يُقهر.. بأنه مع المخلص الذي لا يتغير مع تغير الزمن.. لو تركك الصديق والأخ.. فلا يغير ذاك من طبعك الراقي.. فدرب القيم الخالدة.. هو درب الكرام.. مهما جار عليهم أهل الزمان.. كن على مبدئك لو اجتمعت عليك الشياطين .. لتغير سيرك بسبب من رماك بالسهام.. أو حاول حرقك بنيران الأحقاد.. غير المبررة.. إلا من شوائب الغيرة والسحد.. فلا تستسلم لانسداد الطريق.. فلا طريق بلا منفذ.. فقط تأمل واصبر.. فما انفرجت إلا بعد أن تحكم رباطها.. قياساً لصبر المؤمنين..

كن على مبدئك.. لو تحداك الجميع.. وحاولوا إحباطك هتافاً بأنك لن تستطيع الوصول.. وأن الفشل رفيقك فأنت أصبحت وحيدًا.. لا تسمح لهم أن يغيروا من عزيمتك.. ولا أن يحولوا بينك وبين ما تريد.. فبالعزيمة والإصرار.. ستظل أنت كما أنت.. وستحقق المستحيل.. وستصل إلى الربيع.. الذي سيلون حياتك.. بألوان زاهية.. تخلق السعادة في القلب..

كن على مبدئك.. واحتفظ بكرامتك حتى لو حنّت نفسك لأيام خوالٍ.. مع من تنكر لك.. ولتعلم أن ما مضى من أيام.. بما حملته من رفاق ووفاق.. قد رحلت.. وكأنها لن تعود.. فمع كل المحاولات لإعادتها.. لا تعيش الذل.. والجري من أجل من تخلّوا عنك.. بسبب ما تغير به الزمن عليك.. فأصبحت الحياة كمن هم أعزة على بعضهم.. رحماء على الغرباء.. كل من يأتي من الخارج.. يرى عجائب المجتمع من طيبة وسماحة.. وعدم رفع الأصوات.. والأدب والاحترام.. وأصبحت سماتهم التي يتحدّث عنها كل زائر.. ولكن في الواقع.. أن الداخل يختلف كثيرًا.. الصورة الحقيقية تختلف.. ولكن لا تجعلها تجبرك على أن تكون غيرك..

فكن على مبدئك.. لأنك هو أنت.. ولأنك لن تستطيع إلا أن تكون أنت.. ولأنك أدركت أن في الدنيا أجناساً متنوعة.. وألواناً من البشر مختلفة ومتباينة.. وأحياناً غريبةً وغير أليفة ولا مألوفة..
حاول أن تتذوق كل شعور يصادفك.. حلواً كان أم مرًا.. كي تدرك في أيامك المقبلة ماهية وشكل هذا اللون.. ومعنى وطعم ذاك المذاق.. فلتجعلها زادك.. لمواقف من الحياة آتية.. لن تصدمك حينها... فأنت قد جربت وعلمت..

كن على مبدئك.. فكثير من الناس هـم أناس آخرون.. آراؤهم هي آراء غيرهم .. وأفكارهم هي أفكار غيرهم .. يفعلون أشياء لا يريدون فعلها.. فقط لإرضاء الآخرين.. وهم لا يعلمون أن إرضاء الناس غاية لن تدرك.. فما يرضي أحدهم لن يرضي الآخر.. فهكذا يفني الإنسان نفسه سعيًا لإرضاء هذا وذاك.. دون أن يحرز تقدمًا في حياته.. فهناك حياة واحدة لكل منِّا وهي حياة الشخص لنفسه.. قبل أن تكون لغيره.. وبعدها سيحاسب.. عن عمله هو لا عن عمل غيره.. فالعطاء والإحسان لا يعني الحياة كغيرك.. من أجل غيرك.. ولكن الحياة كأنت من أجلك أنت ومن أجل غيرك..

كن على مبدئك .. نصيحة لا يدركها كثيرون .. ولا يعي أثر تطبيقها.. وأنها بداية معرفة الإنسان بنفسه.. والخطوة الأولى لتصبح الحياة أفضل.. والمضي بحكمة نحو الحياة.. فالبداية أن تبحث عـن نفسـك.. فلا يمكن أن تكون على طبيعتك إذا لم تجد نفسـك أولاً ..جد نفسك و حاول ألا تخسرها.. آمن بحقيقة نفسك وقدراتها.. والانطلاق من ذاتك.. فلن تحقق السعادة إن حاولت أن تكون شخصاً آخر.. وافخر وتفاخر بنفسك.. فيراك الآخر كما ترى نفسك..

كن على مبدئك. ولا تخف من إظهار مشاعرك .. قل ما تريد قوله و افعل ما تشاء .. لا تنشغـل برأي الناس عنك.. لأنهم غيرمشغـولين برأيك عنهم.. ولا تستجدِ حبهم بأن تكون غير أنت.. حينها ستجد أصدقاء جدد.. حقيقيين.. أحبوك لشخصك الحقيقي.. والتفوا حولك.. فمن الأفضـل أن يكرهك النـّاس وأنت على طبيعتك على أن يحبوك بشيء لست عليه .. فإن عمدت على عدم إظهار مشاعرك الحقيقية.. فكأنك تفعل ذلك لتعتذر عن عدم مقدرتك على إظهار شخصك الحقيقي..

كن على مبدئك..عـش حياتك ..لا تحاول أن تعش حياة غيرك.. تقـبل نفسـك.. فكيف تريد أن يتقبلك الآخرون.. إن لم تتقبل نفسـك أولاً؟ أعلم الضياع الذي يجده من هو في موقفك.. من يعيش في مجتمع غير الذي كان يعيشه.. واعتاد عليه.. بفطرته البسيطة الطيبة.. لأني لم أعلم ما في قلوب بعض البشر.. تعجبت كيف تكون قلوب بعضهم بهذه القسوة وهذا التناقض.. ألم اعتصرني لضياع بعض الفضائل والقيم في زمن يُنظر لظاهر المرء لا لباطنه.. وطغت المادة في المعاملات.. في زمن أصبح الطيب جباناً.. يترقبون اللحظة التي يستغلونه فيها.. وأصبح قليل الكلام معقداً الكل يتجنبه.. والتقي غير متحضر الجميع ينظره بطرف عين..

كن كما أنت ولا تقل.. زماني يفرض عليّ أن أكون وحشًا مثلهم..أكذب .. أغتاب .. أجامل.. وألغو من أجل أن أؤنس مجالسهم.. أقسو.. أكره.. أعتدي كي أبدوا قوياً.. أسرق .. أخدع.. أرشي كي أبدوا ناجحًا.. بل هكذا أنا.. سأكون كما أنا.. سأستمر بطيبتي.. وأحب الكل وإن كرهوني.. لأنّي ببساطة لا أريد لقلبي أن يتعذب من أجل من أساء إليه.. ولكني لن أذل نفسي.. سأتمسك بعزتي وكرامتي.. سأكتنف رداء الصمت والغموض.. ليس لأن بي نقصًا بل لأنني أعيب تفاهتكم.. سأستمر بطريقي الذي رسمته.. وسأبقى بروح الأنا التي تحيط بالكل.. وتفهمهم.. وتعيش معهم.. كما هي.

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك