اليمن بين الدواء المحلي الشافي والمسكن الخارجي المزيف

عبيدلي العبيدلي

بثت وكالة أنباء رويترز رسالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي التي يطلب فيها "اليمن من مجلس الأمن الدولي دعم عمل عسكري تقوم به الدول الراغبة للتصدي لتقدم الحوثيين". ويسعى هادي كما جاء فيما نقلته رويترز إلى "أن يتبنى المجلس المؤلف من 15 عضوا قرارا يجيز للدول الراغبة في مساعدة اليمن تقديم دعم فوري للسلطة الشرعية بكل السبل والإجراءات لحماية اليمن والتصدي لعدوان الحوثيين." وكان هادي قد طلب في وقت سابق من "من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي تقديم جميع الوسائل الضرورية فورًا بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه."

وكما تشير الأخبار المتواردة من اليمن، فإنّ خطوة هادي هذه تأتي "بعدما سيطر مسلحون حوثيون، مدعومين بقوات الجيش الحليفة لهم، على بلدة كرش، على بعد 100 كيلومتر من مدينة عدن، التي يقيم فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي، حالياً".

يعكس مثل هذا الطلب مجموعة من الظواهر، والاستنتاجات، التي باتت تحكم المشهد السياسي اليمني التي يمكن تلخيص الأهم منها في النقاط التالية:

1. أن اليمن ليست محدودة جغرافياً في عدن، وحكم اليمن لا ينحصر في "هادي" أو التحالف الذي ينتمي إليه، دون أن يعني ذلك تجاوز الشرعية التي يتمتع بها هادي ذاته. لكن أوضاع اليمن اليوم تترامى كي تشكل دائرة أوسع من كل ذلك. فسواء احتل "المسلحون الحوثيون ومن يتحالفون معهم" عدن، أو اكتفوا بالمرابطة على مسافات قريبة منها، وسواء تمكنوا من الانقضاض على "هادي" وحلفائه ونجحوا في إرغامهم على ترك عدن، تبقى أراضي اليمن الأخرى ومعها القوى السياسية النشطة في المشهد السياسي اليمني، بحاجة إلى سلطة مركزية معترف بها من قبل الجميع، قادرة على إدارة البلاد، بعد انتشالها من الأزمة المزمنة التي تضع اليمن على أبواب حرب أهلية طاحنة، ليس ما نشهده اليوم سوى بداياتها، ومن ثم يصعب التكهن بإفرازاتها وتداعياتها، بل وحتى الزمن الذي سوف تستغرقه قبل أن تصل إلى نهاياتها.

2. أن استمرار أي أزمة، بغض النظر عن طبيعة أوضاع البلد التي تعاني منها، يولد بيئة غير سليمة، لكنها مناسبة لبروز قوى طحلبية لا تستطيع أن تعيش وتنمو بعيداً عن تلك الأزمة، ومن ثم ترتبط مصالحها المباشرة وغير المباشرة بتأجيج عوامل استمرار النزاعات، ومحاربة أيّ مساع هادفة إلى وضع حد لها. وفي وسع اليمن أن تستفيد من تجربتها الذاتية المريرة، ولكنها أيضًا ليست بعيدة عن تجارب عربية أخرى مثل لبنان والسودان. ومن ثمّ فليس في مصلحة من يدعي الرغبة في وضع حد للأزمة اليمنية وتداعياتها أن يتجاوز الحلول المحلية بحثاً عن أخرى دولية سواء كانت تلك القوى التي ستساهم في معادلة الحل دولية أم إقليمية.

3. وصول الحالة اليمنية إلى طريق مسدود فيما يتعلق بقدرة القوى السياسية اليمنية على الوصول إلى حل سلمي، ينتشل البلاد من أزمتها التي تعصف بها منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، عرفت خلالها اليمن تقلبات جذرية في السلطة السياسية، التي تناوبت عليها ألوان مختلفة من طيف المشاركين في العمل السياسي اليمني.

4. أن رمال الساحة اليمنية المتحركة، باتت تدفع القوى السياسية الفاعلة فيها إلى الاستنجاد بالخارج، بوصف كون مثل هذا الاستنجاد الطريق الأسهل الذي يمكن أن تسلكه تلك القوى، بغض النظر عن النتائج المترتبة على اليمن كدولة، بما في ذلك فقدانها لسيادتها التي سيكون استرجاعها عملية معقدة وطويلة المدى، خاصة عندما تكون الجهات المستجيبة للدعوة قوى خارجية، تسيرها أهدافها الذاتية التي ليست بالضرورة متطابقة مع أهداف دعوة "هادي"، أو سواه من القوى اليمنية الأخرى.

5. دعوة هادي قوى عالمية وإقليمية لمساعدته على "حماية اليمن من الحوثيين"، يفتح الأبواب واسعة أمام ردة فعل معاكسة من قبل الحوثيين، يطالبون فيها قوى دولية وإقليمية، غير تلك التي ناشدها هادي، كي يستعينوا بها على "قوات هادي". وهنا تدخل اليمن في نفق "التدويل"، الذي ربما يعرف الجميع بداياته، لكن يستحيل على أي منهم حتى مجرد التكهن بما ستؤول إليه نهاياته.

6. في حال استجابة دول مجلس التعاون لطلب "هادي"، وإرسالها قوات عسكرية، بغض النظر عن حجمها، وجنسية أفرادها، تسهل هذه الخطوة على دول إقليمية أخرى، وفي المقدمة منها إيران على مد أصابعها خارج الحدود اليمنية، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن واستقرار شبه دول الجزيرة العربية، بل ربما يقود ذلك إلى حروب طاحنة بين دول المنطقة.

في ضوء كل ذلك، وتأسيسًا على تلك الحقائق الاستخلاصات، ربما آن الأوان كي يدرك "هادي"، وقبله "الحوثيون"، أنّه من الخطأ التوهم أن طريق خلاص اليمن يمر عبر بوابات التدخلات الخارجية، بل ربما يقود ذلك الطريق إلى المزيد من التعقيدات، والكثير من التضحيات التي يصعب حصرها. وهذا يضع جميع القوى السياسية اليمنية أمام تحدٍ تاريخي، يطالبهم باتخاذ قرار إستراتيجي يضع اليمن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما جلوس تلك القوى على طاولة حوار وطني صادق وأمين، يقدم كل طرف من أطراف الحوار فيه تنازلات جادة وجوهرية تضع حدًا للاقتتال، وتوصد الأبواب أمام القوى الانتهازية، وإما الاستعانة بقوى خارجية، دولية كانت تلك القوى أم إقليمية، وهذا لن يفشل في حل المشكلة اليمنية فحسب، بل سيضاعف من تعقيداتها إلى درجة أن يخرجها من بين الأيدي المحلية، ويضعها لقمة سائغة في أيدي تلك الأيادي الخارجية.

عليه، يبقى اليمن بحاجة إلى دواء محلي شافٍ، وليس عقار مهدئ مؤقت ومزيف.


تعليق عبر الفيس بوك