الهاربون إلى المرِّيخ

فؤاد أبو حجلة

أعلنتْ مُؤسَّسة هولندية -غير ربحيَّة- قبل أيام، أسماءَ أربعة وعشرين شخصا فازوا بتذاكر سفر إلى المرِّيخ، عندما يكون ذلك مُمكنا بعد العام 2020.

اللافت في هذا الخبر أنَّ تذاكر السفر هي للذهاب فقط، ولا تشملُ العودة إلى الأرض؛ مما يعني أنَّ هؤلاء الفائزين يرغبون في الاستقرار في المريخ، والعيش بعيدا عن مصائب الأرض ومصائبها، وقد كان الفائزون بالتذاكر من بين عشرات الآلاف ممن تقدَّموا للحصول على فرصة الحياة في المريخ.. أو لنكُن أكثر تحديدا ونعترف بأنهم أرادوا فقط الهروب من الحياة على الأرض.

مُعظم المتقدمين لنيل هذه "الفرصة" كانوا من المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون في دول توفِّر العيشَ الكريمَ والرفاهية لمواطنيها، وليسوا من أبناء العالم الثالث الذي يحترف تجويع مواطنيه وإذلالهم.

ما الذي يَدْفع مُواطنا هولنديا أو فرنسيا أو بريطانيا إلى مُواجهة المجهول والمجازفة بالعيش في كَوْكب لا بيوت ولا أسواق ولا دور سينما ولا مسارح فيه؟ بل ما الذي يَدْفعهم للذهاب إلى تراب قد لا يكون فيه طعام؟

هل هم انتحاريون؟ ربما يكونون قد ملُّوا من الحياة في الأرض ومن روتينها القاتل، وربما هم مسكونون بحب المغامرة وتجربة الجديد حتى لو كان في ذلك مخاطرة بالحياة.

الأقرب إلى المنطق أن هؤلاء لا يعتبرون الحياة على الأرض ذات قيمة، وهم ليسوا جياعا ولا عاطلين عن العمل، وبينهم أطباء ومحامون ومهندسون وأساتذة في الجامعات؛ لذا فإنَّهم لا يهربون من الفقر، بل يدفعهم اليأس من إصلاح الكوكب إلى البحث عن كوكب آخر.. كوكب بكر، لم تعبث به الولايات المتحدة، ولم يستسلم لفساد الأنظمة والحكومات، ولم يحترف الانحياز إلى الغلط.

في بلادنا الكثيرُ من اليائسين والمحبطين والمقهورين، لكنَّهم لا يفكرون في غزو الفضاء، ولا يبحثون عن الحياة في المريخ أو في أي كوكب آخر. بل يبحثون عن الهروب من الحياة إلى الموت؛ فيذهبون إلى "داعش" وغيرها من منظمات الإرهاب الظلامي التي تُحيل البلاد إلى خراب، وتساوي بين ما كان مدنا حية وبين صحراء المريخ الجرداء.

لن يُقدم أحد تذاكر سفر إلى المريخ لليائسين العرب؛ لذا يلجأ هؤلاء إلى البحث عن حلولهم الخاصة، ويتطوعون للموت دفاعا عن الجهل والتخلف والظلام. ولأن اليأس مؤسَّس في النفس بعد عشرات السنين من الفساد والقمع والإفقار، فإنَّ إشاعة الأمل في الإصلاح تبدو مهمة صعبة إنْ لم تكن مستحيلة في هذا الزمن العربي البائس اليائس.

... بَيْن يائسينا ويائسيهم فروقٌ كثيرة؛ فهم يعيشون في مجتمعات نفضتْ تخلفها منذ اندحار القوى الظلامية التي هيمنتْ على أوروبا بالسحر والشعوذة في العصور الوسطى، ويائسونا يعيشون في مجتمعات لفظت إرثها الحضاري وانسلخت عن تاريخها العريق لتحيي جهلا عميقا تعززه قناعات مريضة ترسخ العصبيات الطائفية والعرقية على أطراف الأنهار في المدن التي كانت، ذات زمن، تقود العالم.

لكنَّ هناك تشابها في واحدا بين الحالتين يكشفُ رغبة اليائسين بالعيش في الخراب أو الموت فيه؛ فمنْ يرَ الصُّور الملتقطة لسطح المريخ يكتشف التشابه بين تلك الصحراء الفضائية وتراب المدن التي يستوطن فيها "داعش" والقاعدة...وغيرهما من التنظيمات الإرهابية الساعية إلى الخراب.

يبحثُ المحبطون الأوروبيون عن حياة أخرى في المريخ، ويبحث المحبطون العرب عن موت في الأرض المنذورة للفساد والجهل والتخلف، وفي الحالتين يختار المحبطون الخواء للعيش أو للموت فيه، وكأن القبور لا هيبة لها إلا عندما تنفرد بالتراب ولا يعلو على شواهدها البناء.

رُبَّما تكون فكرة مجنونة، ولكن لماذا لا يبحث النظام العربي عن وسيلة لتسيير رحلات جماعية مجانية إلى المريخ؟

تعليق عبر الفيس بوك