مجلس التعاون وسياسة الهروب إلى الأمام

علي بن مسعود المعشني

ينغمسُ مجلسُ التعاون اليوم في الشأن اليمني إلى أذنيه؛ ليمثِّل له مستنقعًا جديدًا بعد مُستنقعات العراق وليبيا وسوريا، وقبلهم الحرب على إيران. وبالتالي تتعاظم الاستحقاقات عليه من الجوار والإقليم والوطن العربي، بصور غير مسبوقة في علم السياسة، أو في لغة الحضارة والتاريخ.

المشكلة في مُقامرات مجلس التعاون، وإن تباينت المواقف بين أعضائه، وقلَّت نسب الانغماس والأذى من قبل بعض أطرافه، إلا أنَّ في السياسة -كسائر الأمور- قاعدة "الشر يعم والخير يخص".

لا مَصْلحة حقيقية ومباشرة لأقطار الخليج العربية في تأزيم اليمن وتشظيه وركوب موجة الاصطفافات بداخله، ولا مسوغ شرعي ولا قانوني يمنحها الحق أو الغطاء لنصرة هذا الطرف على ذاك، ولا التلويح بالقوة، وهي كيانات صغيرة تعاني من كل أعراض الاستقرار القلق، والمهدد بالانفجار في أية لحظة وبفعل عابر ولأي سبب.

وليس من مَصْلحة أقطار الخليج الاستقواء بأمريكا ومشاركتها في تمزيق الأوطان وتحقيق أمانيها ومصالحها بأبخس الأثمان وأقل التكاليف وأعظم المكاسب لها.

وليس من مَصْلحة أقطار الخليج توظيف الطائفية وركوب موجتها، وكما هو شائع منذ الثورة الإيرانية عام 1979م؛ فالطائفية سلاح خطير ومزدوج وفتاك، ويوحِّد أتباع المذاهب جميعهم في لحظة ما مُعتدلهم ومُغاليهم، ويجعلهم تحت سقف خطر ومصير واحد.

نعم.. في اليمن أزمة بلا شك، ولبعض أقطار الخليج دَوْر رئيسي في نشأتها وتفاقمها وإدارتها وتأجيجها، وما الاصطفاف اليمني اليوم إلا نتيجة لذلك الزرع الخبيث الذي بُذر في اليمن كي يبقى تحت رحمة الآخرين وحديقة خلفية لهم.

... إنَّ مساعي مجلس التعاون اليوم في الأزمة اليمنية، هي لفرض حلول إذعان عليهم، وترحيل مشكلاتهم إلى أزمنة أخرى، وتأجيل حسم مصير اليمن إلى حين، وليست لإرضاء اليمنيين وإصلاح ذات بينهم "فالحكمة يمانية".

... إنَّ وَصْف المشهد اليمني وربطه بالمصير الإيراني ونموذجه، حماقة من العيار الثقيل، وفي هذا الظرف بالتحديد، فمجلس التعاون يتعاون مع إيران والغرب يُفاوضها ويطلب ودها، وإيران كما تصفها الدوائر الرسمية الخليجية لا خوف ولا خطر ولا تهديد منها؛ فلماذا الازدواج في المعايير والتلبُّس بلغة خطاب الدهماء من قبل ساسة ونظم وكيانات سياسية في زمن الشفافية، والقرية الكونية الواحدة؟!

لو أفلح مجلس التعاون طيلة عقود نشأته في كسب اليمن، وضمه إلى كيانه السياسي ومنظومته، أو منحه حق الأفضلية في التعامل والتعاون، كجوار وعمق أمني واقتصادي واجتماعي وإستراتيجي، لسهُل على الجميع في اليمن وجواره فهم واستيعاب التحركات الخليجية اليوم، ولوضعت مساعيه في خانة النوايا الحسنة وحب الخير لليمن وأقطار الخليج. ولكنَّ التجربة المرة لليمن واليمنيين مع أقطار الخليج، والسلبية والتنكر التي يواجه بها اليمن من قبل جواره، هي العقيدة التي تشكلت لدى أغلب اليمنيين اليوم في الالتفاف حول أنصار الله، ومواجهة ما يُسمَّى بالمخطط الخليجي لليمن، خاصة وأنَّ التدخلات الخليجية في العراق وليبيا وسوريا لم تكن حميدة ولا بريئة من النفس التآمري للأسف الشديد.

ما يجب أن نفهمه ونؤمن به اليوم نحن شعوب الخليج وحكوماته، أنَّ سيناريو اليمن قد ينتقل بحذافيره إلى أي دولة خليجية تخرج على سياسات منظومة مجلس التعاون بنفسها الربيعي الغارق في الهوس بخدمة العرش الأمريكي وبصناعة التاريخ من القش والسعف، بلا وعي أو اعتبار لسيرورة الأيام ودولها، فاليمن اليوم كالنمر الجريح، واليمني ليس لديه ما يخسره، وهنا مربط الفرس ومقتل الشجعان.

ومن هنا، علينا التريُّث وعلى حكوماتنا أن تتوقَّف عند هذا الحد من القمار السياسي، فالثأرات تعاظمت والاستحقاقات تراكمت، والنفط في تذبذب ونضوب، دعوا اليمن لشأن أبنائه، وأحبوا له ما تحبون لأنفسكم إن كنتم مؤمنين. وابذروا الخير اليوم ليحصد أبناؤكم غدًا الخير والاستقرار ولينعموا بالسلام والاحترام.. وبالشكر تدوم النعم!

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك