أحمد الرحبي
هناك مقولة تلخص بطرافة المشوار الذي يضطرنا للذهاب إلى الحمام يوميًا وبمعدل من المرات قد يتفاوت من شخص لآخر تقول: إنّ الطعام بداية الرحلة إلى المرحاض، وهي رحلة من الضرورة والإلحاح بحيث لا يمكن تأجيلها أو التسويف فيها ككثير من المواعيد والالتزامات التي نتنصل منها بكل بساطة، وطالما أننا في أدب المراحيض سوف أحكي هنا باختصار قصة قرأتها منذ مدة طويلة من الأدب الياباني (وتاريخياً لليابان مستوى عال من النظافة حيث إنّ التخلص المنظم من النفايات البشرية شائع في اليابان منذ فترة طويلة في التاريخ) تدور هذه القصة حول حمام (مرحاض) كانت تفتقر إلى خدماته إحدى القرى التي تشتهر في الربيع بمتعة مشاهدة تفتح براعم الكرز، وقد تفتق ذهن أحد الفلاحين واسمه هاشيهاي عن خطة عندما أدرك مدى شعور زوار القرية بالكرب والضيق من عدم توفر مرحاض عام يخدم حاجة الزوار ويُلبي الضرورة إليه، فقد بنى مرحاضًا صغيرًا مرتبًا وعلق عليه لافتة كتب عليها بحبر أسود مرحاض أجرة بمبلغ وقدره، وخلال موسم الاستمتاع بمشاهدة الزهور حقق المرحاض نجاحًا هائلا وغدا الفلاح رجلاً ثريًا.
ولكن أحد القرويين وقد استبدت به الغيرة من هذا الفلاح استطاع بناء مرحاض بمواصفات فائقة من الفخامة والأبهة والروعة والجودة في الوقت المناسب لموسم مشاهدة براعم الكرز، لكن الطريف في الأمر أنّ الزوار اكتفوا بالتحديق في المرحاض على نحو يوحي بالتوق لاستخدامه ومضوا يحدثون أنفسهم بأنّه أجمل من أن يتم استخدامه، ولجلب الزبائن لحمامه بادر القروي إلى خطة جهنمية سوف تكلفه في الأخير حياته، فعند مغادرته بيته في الصباح ذهب ودفع الأجرة ودخل حمام هاشيهاي وأحكم رتاج الباب وعندما يحاول أحدهم الدخول كان يصدر نحنة تفيد وجوده بالداخل، واستمر هذا إلى أن وصل حد التخشب في جلسته بالمرحاض، وفي نهاية النهار الربيعي المتطاول لم يستطع الوقوف وكان موته من أكثر عمليات الانتحار إيغالاً في حداثة الصرعة.
وإذا كانت بداية الرحلة إلى المرحاض لا تختلف في شيء بين قرية في اليابان وبين مسقط فإنّ كيل المديح لمدينة مسقط وتطورها السريع اللافت وهي مدينة لها طابعها الخاص مستمد من كون هذه المدينة محاطة بالتاريخ مسورة به غارقة في أعماق أعماقه، مسكونة بالبحر تمتلئ رئتيها وذاكرتها به إلى حد الثمالة، نقول فإنّ كيل المديح لمسقط وهذا التطور العصري الذي حققته وهي المدينة التي كثيرًا ما نالت الإطراء من زائريها بمستوى الرقي في التخطيط العمراني المتوازن في نمطه حيث لا تفريط بهوية وثقافة المكان ولا إفراط في معانقة كل جديد تحت إلحاح بلوغ مرتبة سهلة من التطور والتحديث في النمط العمراني المعتمد في تخطيط وإعمار المدينة، فإن كيل هذا المديح لمسقط لا يستقيم ربما وحقيقة طريفة ومهمة في نفس الوقت معروفة عن مسقط، وهذه الحقيقة هي أنّ مدينة مسقط بلا حمامات، فهي حقيقة صادمة، حيث إنّ مدينة مسقط في الواقع ما زالت تفتقر كليًا إلى مرافق ودورات مياه عامة برغم ما تحقق من تطوير وتحديث مستمر في مرافقها، ولعله في زحمة الأعباء والمهام الكثيرة التي تضطلع بها البلدية ناحية مدينة لا يمكن أبدًا الاستهانة بمساحتها الكبيرة التي تضم خمس ولايات كل ولاية منها تتميز بحركة تنموية متسارعة بكونها آخذة في التطور عمرانيًا وسكانيًا لتكون مدينة بذاتها، لم تأخذ مرافق دورات المياه العامة المكان البارز لها في سلم أولويات البلدية الملتزمة بها ناحية تطوير المدينة، لكن يمكن القول في الوقت ذاته بأن خصخصة بعض المهام قد تشكل الحل المناسب للتخفيف من الأعباء التي تثقل على البلدية، وقد تكون الخصخصة هي الأنسب لقطاع دورات المياه العامة حسب تجارب ناجحة لكثير من مدن العالم في هذا الجانب، حيث تتيح الخدمة المقدمة بشكل حضاري راق ومنظم للجمهور، نظير مقابل مادي رمزي لا يخل بهامش الربح المتوقع، حلاً ملائمًا لضرورات الرحلة إلى المرحاض.