مسعود الحمداني
(1)
المتقاعدُ: مواطنٌ خدم هذا الوطن لسنواتٍ طويلة، نزف عرقه وجهده، وحان الوقت كي يخلد إلى الراحة، ربما يكون القرار قاسيًا في بداياته، وقد يستمر هذا الحال لفترة طويلة مما ينعكس نفسيًا واجتماعيًا وصحيًا على المتقاعد أحيانًا، والذي وجد نفسه وجهًا لوجه مع قرارٍ مصيري لم يحسب له حسابًا، ولم يخطر له على بال، رغم أنّه كان يعلم أنه آتٍ لا محالة، حاملا آثاره المختلفة المؤلمة لسنوات ربما.
قد لا يكفي راتب المتقاعد في أغلب الأحيان لتلبية حاجاته الضرورية التي اعتادها، وتضيق مساحات حركته بشكلٍ لافت، فقانونُ التقاعد في الخدمة المدنية (مخيفٌ) حتى بعد تعديله، بالنسبة للموظفين والذين يجدون أنفسهم فجأة أمام راتبٍ جديد يلتزم بالناحية الإدارية البحتة، ولا يلتفت كثيرا إلى المتغيّرات التي تسود المجتمع على مرِّ الأعوام، خاصة في ظل متغيّرات اقتصادية مؤثرة كما هو حاصل حاليًا من انخفاض لأسعار النفط، والتي ستنعكس سلبا على نواحٍ اجتماعية كثيرة، وهذا أمر يجدر بمجلس الخدمة المدنية إعادة النظر فيه، ودراسته من جديد، بناء على جوانب إنسانية، ومتغيّرات محلية وعالمية كذلك.
أصادف أحيانًا مسؤولين في مناصب قيادية في الحكومة أفنوا جلّ حياتهم (عبيدا) للمنصب والوظيفة، وكانوا يقضون معظم أوقاتهم في أعمال ميدانية، أكثر مما يقضونها على سريرهم في منازلهم، ولم يعملوا على ادخار أو استثمار، ولم يؤسسوا لعمل تجاريّ، لأنّهم لم يحسبوا حسابا لـ (يوم لا ريب فيه)، ونسوا أنّ (لكل أجل كتاب)، وأنّ نهاية الوظيفة هي التقاعد، ووجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها على الأرفف، ينظرون إلى المارة، ويمضغون الوقت، مكبّلين بالديون الشخصية، والقروض البنكية، وأنّهم غير قادرين على استيعاب واقعهم الجديد، وانتبهوا لحياتهم الأسريّة والخاصة بعد أن أنهوا سنوات عملهم الحكومي، واكتشفوا أنّ الحياة ليست مجرد وظيفة، وراتب وجهد مبذول لكرسيّ زائل، بل إنّ الحياة الحقيقية تبدأ بعد التقاعد، حيث يهرولون في أروقة المكاتب الحكومية بحثًا عن حقوق مكتسبة أهملوها ذات عمل، بل إنّ الأسوأ من ذلك هو أنّ جهة عملهم التي أفنوا عمرهم فيها لم تنتبه لهم، ولم تكرّمهم، ولو برسالة شكر على سنوات الانتماء لتلك المؤسسة، فيُصابوا بخيبة أمل كبيرة، ويقل عطاء وحماس من سيأتي بعدهم لهذا الوطن.
في دول أخرى غربية يكون قرار التقاعد هو القرار الأهم والأجمل في حياة الموظفين، حيث يعملون على اقتطاع جزء من مدخراتهم طيلة سنوات عملهم، فإذا جاء يوم التقاعد، احتفلوا بذلك اليوم الفاصل، وبدأوا حياتهم بشكل مختلف، أكثر تحررًا وصخبًا، ورفاهية، فالحياة لديهم (تبدأ بعد الستين)، أمّا لدينا فإن الحياة تنتهي قبل أن يحين موعد التقاعد بسنين، لأنّ كثيرًا من الموظفين ليس لديهم (ثقافة التقاعد)، وكيفية استثمار ما تبقى من العمر دون قيود وظيفية، ولأنّه في المقابل لم يكونوا مدركين لتلك اللحظات الحاسمة إلا بعد أن يأتيهم قرار التقاعد، وهذا أمر يجب أن تنظر إليه المؤسسة الحكومية، من خلال حملات توعية بضرورة الادخار لكل موظفي الدولة.
وللحديث بقية..
Samawat2004@live.com