نادية المكتومية
يعتقد بعض المربين أن الحب وحده قادر على تنشئة الأبناء على أكمل ما يكون، ونحن نؤكد بالفعل على أن الحب والتربية بالحب مهمة في تنشئة الطفل تنشئة صالحة، ومن مستلزمات التربية بالحب هو التأديب الإيجابي للطفل، بمعنى أن من علامات حبك لابنك تأديبه بوضع الضوابط والقواعد لسلوكه، فالمقصود بالتأديب الإيجابي هو التدريب والترغيب والتشجيع والتقويم والتعليم مع وجود ضوابط وقواعد للسلوكيات التي يقوم بها الطفل.
وهنا نقول إن سياسة ( دع ابنك يفعل ما يحلو له) تربي جيلا غير منضبط، لا يحترم حريات الآخرين، ولا القوانين ولا الضوابط المجتمعية المحيطة بهم.
وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وكذلك (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
كما أن هناك بعض المربين يعتقدون أن عملية التأديب هو اللجوء للعقاب فقط لتعديل سلوك الطفل، وهذا مفهوم قاصر لعملية التأديب، فالعقاب عملية هامشية وعابرة وآخر أسلوب من أساليب التأديب، فالتأديب أشمل وأوسع مفهوما من الاقتصار على العقاب فقط، فهو في المقام الأول تعليم وتهذيب وتدريب وترهيب وترغيب وتشجيع وتفسير وإقناع بعدها العقاب بعد أن يستنفذ المربي ويستفرغ الجهد في كل ماسبق فآخر الدواء الكي.
ولا يُلجأ للعقاب كأسلوب تأديبي إلا نادرا وفي سن محددة فقط،، وهنا قد يستغرب الكثير من المربين من طرحي هذا، كيف يكون العقاب محدودا ولا يستخدم إلا نادرا وفي سن محدد وأنت قلت في بداية حديثك بأن التأديب مطلب ضروري في التربية؟ وهنا أقول لك أيها المربي هل تتوقع إذا استفرغت الجهد في تعليم ابنك على السلوك الحسن وتدريبه وتشجيعه ودعمه بالأساليب التربوية الصحيحة أن تلجأ للعقاب إلا نادرا؟ أترك الإجابة لك أيها المربي الحكيم.
ويشمل التأديب الإيجابي جانبين مهمين هما:
التربية والإصلاح، فالمهمة الأساسية للوالدين تربية أبنائهم تربية سوية وفق القيم التربوية الإسلامية السليمة وتعهدهم بالرعاية، أما الإصلاح فالقصد منه تثبيت أصول الخير ونوازعه وإبعاد الشر وعواقبه، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم): ما نحل والد نحلة أفضل من أدب حسن يفيده إيّاه، أو جهل قبيح يكفه عنه ويمنعه منه.
من هنا يكون الهدف الأسمى للتأديب هو تربية شخصية سوية لدى الطفل بتفاعله مع توجيهات الوالدين، لكن للأسف نجد أن بعض المربين يشطون عن هذه الغاية السامية فيرجع الأب أو الأم من العمل منهك القوى، أو نتيجة توترات الحياة المحيطة به ليصب جم غضبه على أبنائه كتفريغ سلبي أو لإفراز توترات الحياة اليومية وكل ذلك دوافع سلبية للتأديب وقسوة واضطهاد من الوالدين في حق أطفالهم يمنعهم من ممارسة التأديب الإيجابي، فكم من استشارة جاءتني تشتكي ويشتكي من نفسه بتفريغ جم غضبه على أطفاله بعد رجوعه من عمله.
وهناك العديد من القواعد التربوية التي يجب أن ننطلق منها لتأديب إيجابي منها:
· التأديب مؤشر لحبك لابنك: معظم الأطفال الذين لا تتم تربيتهم على الضوابط والقواعد والتوجيهات يعتقدون أنهم غير محبوبين وغير مقبولين لدى أسرهم، وتأكد عزيزي المربي أنّ سعادة الابن لن تتأتى بتركه يفعل كل ما يريد بل بمساعدته على ضبط سلوكياته بالتوجيه والتأديب.
· تعلم من الآخرين: من المهم جدًا أن نتعلّم أساليب التأديب الإيجابي ممن يجيدونه أو من خلال الاطلاع والبرامج المعنية بهذا الجانب، ولا نكون مأسورين بعبارت ( هكذا تربينا بالعصي وأصبحنا رجالا) فلكل زمان دولة ورجال ولكل مقام مقال، وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول:"ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم" فهل يعقل أيّها المربي الحكيم التعامل مع جيل مختلف في تفكيره وظروفه وما يدور حوله من معطيات بنفس التعامل الذي تمّ من خلاله تربية جيل سابق، انتبه من خطر هذا الاعتقاد، وانتبه بأنّ الضرب ليس هو الوسيلة الإيجابية للتأديب فالراقي لا يضرب، والنبي (صلى الله عليه وسلم) لم يضرب خادما أو امرأة أو أحدا قط.
· تأديبك لابنك لا يقلل من احترامك له: من الخطأ أن يعتقد المربي أن تأديبه لابنه يقلل من احترامه لهذا الابن، فليس من صالح الطفل أن يتحول احترامه إلى شماعة نعلق عليها ضعفنا وهربنا كمربين من ممارسة أدوارنا نحو أبنائنا. وبالتأكيد ليس من الصحي كبت غضبنا بدافع خشيتنا على أبنائنا فيعيش الوالدان في حالة انزعاج وغيظ والأبناء في حالة استهتار، وتذكر بأننا أمة وسطا، فممارسة أدوارنا في التأديب دون تفريط أو إفراط بطريقة إيجابية بعيدة عن القسوة والغلظة لأن الغرض من التأديب التوجيه والإصلاح بالتدريب والتشجيع والمتابعة وليس العنف والقسوة أو السكوت عن الخطأ الإهمال.
· التغافل حكمة: نعم التأديب مطلوب غير أننا لا نقصد بذلك ترصد الأبناء في كل صغيرة وكبيرة ودقائق سلوكياتهم، السيطرة مهمة لكن يجب مراعاة ترك فسحة للابن للخطأ وليكون مميزا ويتعلم وإلا فإنك ستصنع شخصا متسلطا للمجتمع عندما يكبر ذلك الطفل متى ما ممارست معه سياسة الترصد ومحاسبته بشدة على كل صغيرة وكبيرة، وهنا أتذكر القاعدة التي علمنا إياه علي كرم الله وجهه" الحياة ثلثها فطنة وثلثاها إغفال وتغاض"..
تذكر عزيزي المربي قول اشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا يلين إذا قومته الخشب
قد ينفع الأدب الأحداث في صغر
وليس ينفع عند الشيبة الأدب
وللحديث عن التأديب الإيجابي للأبناء بقية نستكملها الأسبوع القادم، فهناك أسس كثيرة حري بالمربي إدراكها ليكون تأديبه لأبنائه معدلا للسلوك المزعج وليس مشوها للشخصية.
إلى ذلك الوقت أتركك لتتفكر في القصة الآتية، لتدرك من خلالها أهمية التأديب الإيجابي للأبناء كحاجة تشعرهم بالأمان والاستقرار النفسي، " اشترت سيدة حوض سمك كبير، وبعد أن وضعته في غرفة الجلوس وضبطت درجة الحرارة والإضاءة لاحظت بأن الأسماك تتصرف بغرابة، فهي تتجمع في وسط الحوض ولا تكاد تتحرك، ثم وضعت بعد يومين حجارة ملونة في قاع الحوض فإذا بالأسماك تعود لحركتها الطبيعية، السبب أن الأحجار وضحت للسمك عمق الماء فعرف السمك حده وانطلق".
دمتم في رعاية الله..