ثلاثة بثلاثة يقمن أدب المرور

حمد بن سالم العلوي

حتى تُقيِّم أدب المرور وسلامة النظام، عليك أن تلاحظ انضباط الشارع، عند تعرض المسار إلى حالة اختناق، فإن رأيت الناس تصطفُّ في الطابور، تنتظر دورها، فمعنى ذلك أن الأمور طيبة، والناس تلتزم بالنظام رغبة وليس رهبة، وحضور الشرطة يكون لدواعي الرقابة والاطمئنان، ولضبط السيارات التي تخالف، إن تجرأ أحدهم على المخالفة، والبحث عن السيارات المعمم عليها، والمطلوب ضبطها، وأمور أخرى يستدعي تواجد الشرطة من أجلها، أما أن تختنق الحركة قليلا، فترى السيارات تفرُّ يمنة ويسرى من المسار، وكأن داعشياً دخل عليهم الطريق فجأة، الأمر الذي جعل الناس تهرب مرعوبة من بطشه وقسوته، فهذا يخرج من على الرصيف، وذلك يدخل محطة تعبئة الوقود، ويعود للطريق بعد تجاوز عشر سيارات، فيشكلون بتلك الفوضى، اختناقاً في رأس الطابور، فتستحكم العقد، وينغلق المسار بسبب تراكم سيارات الفارين إلى الأمام.

فعندئذ تتمنّى أن ترى نجدة للشرطة حتى تضبط الأمر، فيحدث، وتأتي سيارة الشرطة، فتعطي إشارات رباعية، وتدوس على الخط الأصفر، وكل خطوط الأرض بما فيها خط غرينتش، فهذا بالطبع من حقها، فهي ذاهبة في مهمة طارئة، فتشعر بالاطمئنان، وأن الأمر سيتغير بعد قليل، ولكن تظل السيارات المخالفة تنساب بلا هوادة إلى الأمام، سالكة الطريق الخاطئ، فتقول في نفسك عندما أصل إلى التقاطع، سأجد كل المتجاوزين في صف واحد على جنب الشارع، ينتظرون دورهم في المخالفات، ولكن المفاجأة المحزنة، أنك بعد زحفك الممل ذلك، تصل التقاطع فلا تجد لا سيارة الشرطة - التي تعشَّمت فيها أن تؤدب من كان بلا أدب - ولا تجد واحدة من عشرات السيارات التي تجاوزت من على الخط الأصفر، واقفة تنتظر دورها في المخالفات، كما صوّر لك خيالك، وأنت تعلم أن التجاوز من على الخط الأصفر، يُعد من المحرَّمات المغلَّظة فيها الإجراءات والغرامات.

وعندما قال الأوائل من أمن العقاب أساء الأدب - وهم لم يتركوا فعلاً ما وإلا ألبسوه مثلاً يناسبه - إذن الثلاثية التي نحتاجها للحفاظ على النظام وهيبته، هي، (3/1 : تعليم السائقين قواعد المرور وآدابه، قبل استلام الرخصة، أو حتى قبل تعلم سياقة المركبات، 3/2: شرطة فعَّالة مزودة بعلوم المرور وفنونه، وأن تتعلم هي قواعد المرور وآدابه قبل الجميع، وأن يكونوا متخصصين فنيا وذهنيا في معالجة المواضيع المرورية، وليس بقرار التعيين في المرور هو الذي يمنحهم هذه الصفة، فالقرار يمنحهم السلطة، ويحملهم الواجب، ولكن التهيئة ضرورية تأتي قبل قرار النقل والتعيين، 3/3: العقوبة المُناسبة للفعل، والتدرج في تشديدها، بحسب جسامة المشكلة، وعدد مرات التكرار، يُضاف إلى ذلك، سرعة الضبط والتنفيذ، وليس بعد نسيان الفعل، أو حتى نسيان فاعله، وذلك بمرور الزمن) وهذه الثلاثية ضرورية لتحقيق ثلاثية الأمان، أمان على نفس السائق ذاته، وأمان على نفوس الآخرين من مستخدمي الطريق، وأمان على الأموال الخاصة أو العامة، أكانت منقولة أو غير منقولة.

إنّ الإصرار على القول إنّ نظام المرور جيد، ولا يعيبه شيء، بدليل انخفاض إحصائية الحوادث، والوفيات والإصابات، ليس هذا معيار لتحسن حالة السير على الطريق، والإحصائيات القائلة بانخفاض نسبة الحوادث تظل غير دقيقة، طالما أنّ هناك حوادث بالعشرات، أو حتى بالمئات، تذهب مباشرة لشركات التأمين، فلا يمكن إغفالها من هذه الإحصائية، إلا إذا لم تنتج عنها أضرار مادية وخسائر مالية، كما أنه أمر غير دقيق أن يُعزى فضل انخفاض الوفيات، والحوادث إلى أجهزة رصد السرعة، فتلك مبالغة ليست في مكانها.

فالناس تحسب حساباً حقيقياً للدوريات الشُّرطية الفاعلة، وليس إلى عمود حديدي وضع في أعلاه آلة تصوير، تتصيد الغافل عنها، أما رجل الشرطة، فهو يُعد سيّد الضبط على الطريق، فتوقيف المركبات والتدقيق في وثائق السائق والسيارة، والتأكد من سجل مخالفاته الحقيقية التي يكون هو قد اقترفها تعمداً أو إهمالاً، هي الإجراءات المعوُّل عليها في ضبط الحالة المرورية، لأن آلة التصوير جهاز غبي يصور حتى سيارة الإسعاف، إن مرت عليه مسرعة في حالة عاجلة، إذن فإنّ رجل الشرطة هو الذي يعرف الشخص الملتزم، فعليه أن يكافئه حالاً بالنصح، وليس بالمخالفة، أما المستهتر فيجب عليه ضبطه، وأن يردعه من التمادي والاستهتار.

(*) خبير في السلامة المرورية وتخطيط الحوادث (مركز طريق الأمانة)

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة