مكتبة وطنية عمانية

ناصر الكندي

من ضمن مهام وزارات الثقافة في العالم بذل الجهد في إيصال المادة الثقافية بكافة أنواعها إلى الجمهور، فهي معنية، بحسب اسمها، بالاعتناء بالثقافة والتأكد من وصولها إلى المتلقي بأسهل الطرق، سواء عن طريق الترجمة أو النشر أو إنشاء مراكز ثقافية ومكتبات وطنية يسهل للباحث الرجوع إليها، ولا تكون المادة الثقافية المستهدفة محددة في قالب واحد ينحصر في التوجه القومي والتراثي فقط وتستبعد بالتالي باقي الأنواع الأخرى، خاصة أن عملية تحديد النمط الثقافي للشعوب قد صارت بلا جدوى بسبب الثورة المعلوماتية والتي سهلت وسائل التواصل الاجتماعي انتشارها بسرعة مدهشة.

هناك مشاريع وطنية اضطلع بها عدد من الدول العربية في وزاراتها الثقافية، ونذكر منها الهيئة العامة السورية للكتاب، ومن أهداف هذه الهيئة التي أحدثت في 2006م نشر الكتب المؤلفة والمحققة والمترجمة في مختلف مجالات المعرفة والثقافة والعلوم، وتعريف المجتمع بالحركات والاتجاهات الفكرية والثقافية والأدبية المحلية والعالمية وتنمية المدارك الفكرية والوطنية والقومية والإنسانية والعقلانية في التفكير، كما أنّها تفتح المجال لكل من يريد نشر إبداعه من داخل سوريا وخارجها.

وعلى المستوى الخليجي، فهناك مشروع المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي والتي تهدف إلى بناء مجتمع مثقف واعٍ، وبها وظائف مهمة مثل توفير مصادر المعرفة المختلفة بكافة أشكالها (المطبوعة والمسموعة والمرئية) التي يحتاجها أفراد المجتمع في مختلف حقول المعرفة، والعمل على إشباع حاجاتهم من المعلومات، وكذلك تنمية تبادل المطبوعات مع المكتبات الوطنية ومراكز المعلومات الأخرى محليا وعربيا ودوليا. والجدير بالذكر ان المكتبة الوطنية البحرينية بنيت لتستوعب 250000 مجلدا.

ومشروع كلمة الإماراتي لا يقل أهمية عن نظيره البحريني، فهو مشروع يستهدف ترجمة المؤلفات العالمية إلى اللغة العربية، وفي كل عام يختار 200 كتاب من أهم المؤلفات العالمية الكلاسيكية الحديثة ومن مختلف اللغات ليقدمها للقارئ العربي بلغته، وتحظى هذه المبادرة بدعم ولي عهد أبوظبي، ولقد ترجم من خلال هذا المشروع نحو 700 كتاب عن أكثر من 13 لغة. في حين قدمت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم دعما لـ 50 كتابا تحت إشراف المنظمة العربية للترجمة، وأغلبها من أمهات الكتب العالمية والمغيرة للوعي الثقافي.

لا يوجد في السلطنة إلى الآن بما يسمى بمشروع ثقافي، حتى إنّ مهام وزارة التراث والثقافة لم تذكر فيها أية نية لإنشاء مكتبة وطنية تحتوي الكتب الثقافية بكافة أنواعها بل حصرتها في "الكشف عن المخطوطات العمانية القديمة في جميع مجالات الدين والعلوم والطب والتراجم وجمعها وتصنيفها وإنشاء المكتبات العامة بما يتيح للمواطنين الاطلاع على هذه المؤلفات العمانية"، كما تنحصر مهامها في الاعتناء بالتراث العماني المسموع والمكتوب، وإقامة المعارض والمهرجانات الثقافية، وربما دمج التراث والثقافة في وزارة واحدة أثقل كاهل الثقافة بالتراث الذي له الحصة الأكبر على حساب الثقافة.

لا ينكر أن هناك مكتبات عامة في السلطنة، ولكنها ممولة من قبل مؤسسات غير وزارة التراث والثقافة مثل مكتبة تنمية نفط عمان "الديوان حاليا" ومكتبة جامعة السلطان قابوس ذات الطابع الأكاديمي ومكتبة كلية العلوم الشرعية ذات الطابع الديني، إلا أنّ الحاجة إلى مكتبة وطنية شاملة أصبح أمرًا ملحًا، وليس من المنطق أن ينتظر القارئ العماني كل سنة معرضًا متنقلاً للكتاب لكي يشبع غريزته الثقافية! خاصة وأنّ الثورة المعرفية تطرح آلاف العناوين سنويًا والقارئ العماني لا يراها إلا خلال سنة هذا إذا استطاع المعرض تغطية جزء منها، وربما هناك مشاريع صغيرة الآن وقد تكبر مستقبلا تقوم بشراء الكتب إلكترونيا وإيصالها للجمهور الراغب في إنشاء مكتبته الخاصة مثل مكتبة "غريبين" و"معاصرون"، إلا أنّ دخل الفرد قد لا يسعف في تغطية الكم الهائل من الحاجة في مكتبته!! والذي عن طريق المكتبة الوطنية سوف يغطي هذه الفجوة المالية، وربما يمكن خصخصة المكتبة الوطنية لجعلها مكتبة دائمة بدلاً من انتظارها كل سنة في المعارض.

من الجيد النظر إلى التجارب الإقليمية والعالمية بخصوص إنشاء مكتبات وطنية وعدم تحديدها وتوجيهها نحو قالب معين. ولتفادي تقدم العربة على الحصان، وتحقيق الشعار الذي يقول بأن الوطن يقوم على أقدام أبنائه، فإنّه ينبغي أولاً التركيز على هذه الأقدام وتمرينها ثقافياً.

تعليق عبر الفيس بوك