اتفاقية أوسلو ولدت ميتة

فهمي الكتوت

تبخرت أحلام أوسلو؛ ولم يبق منها سوى القيود التي فرضها العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني خلال العقدين الماضيين؛ "التنسيق الأمني المذل، واتفاقية باريس التي شكلت عبئا على الاقتصاد الفلسطيني". وبعد اثنين وعشرين عاما على اتفاقية أوسلو، أصدر المجلس المركزي الفلسطيني قرارا بإلغاء التنسيق الأمني، "وتحميل سلطة الاحتلال الصهيوني مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة كسلطة احتلال وفقا للقانون الدولي". لقد ابتلع الكيان الصهيوني حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية، في ظل اتفاقية أوسلو، وارتفع عدد المستوطنين الى 650 ألف مستوطن، وأقام جدار الفصل العنصري. واستغل الاتفاقية كغطاء لإلغاء المقاطعة العربية، وإقامة علاقات رسمية بين عدد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني.

ومن المعروف أن قرارات المجلس المركزي إلزامية، بصفته أعلى سلطة في منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن مصادر فلسطينية شككت بالتزام السلطة بقرارات المجلس، واعتبرتها توصيات وليست قرارات ملزمة بعد أن قوبلت برفض واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي. ومن جانبه أوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تيسير خالد، إن قرارات المجلس المركزي إلزامية، مؤكداً أن المجلس المركزي ليست هيئة استشارية بل مرجعية سياسية لكل من هيئات ومؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية وقراراته نافذة وملزمة لكل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والحكومة الفلسطينية. واستغرب تيسير خالد محاولة بعض الأوساط اختصار النظام السياسي الفلسطيني بمؤسسة الرئاسة.

أما الوجه الآخر لاتفاقية أوسلو؛ اتفاقية باريس الاقتصادية لعام 1994 وما زالت سارية المفعول، والتي اخضعت الاقتصاد الفلسطيني لأبشع استغلال للاحتكارات الإسرائيلية، وأسهمت في تشويه بنيته الهيكلية وحرمته من التطور الطبيعي والقيام بدوره الوطني، فقد نصت الاتفاقية على حزمة من الإجراءات التي كبلت الاقتصاد الفلسطيني، وزادت الأعباء المعيشية على الطبقة العاملة وفقراء الشعب الفلسطيني. تصدر هذه الاتفاقية تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة تحت ذريعة متابعة تنفيذ البروتوكول، وعلى الرغم ان الاتفاقية تضمنت تشكيل اللجنة من عدد متساوٍ من الأعضاء من كل جانب، الا ان سلطة الاحتلال كانت وما زالت صاحبة القرار. وتحولت هذه اللجنة الى سلطة مركزية للتدخل في تحديد كمية ونوعية ومواصفات السلع المسموح للسلطة استيرادها ومصادر استيرادها، وفرض سياسات وإجراءات ومعايير جمركية محددة، فيما يخص السلع المدرجة في القوائم المسموح باستيرادها والمنتجة في الأردن ومصر وبلدان عربية أخرى وبكميات محددة وفق احتياجات السوق الفلسطيني المحلي. والمقصود هنا في السوق الفلسطيني الضفة الغربية فقط، بعد حرمان قطاع غزة من حركة التجارة بسبب سياسة الحصار المفروضة على القطاع.

وقد نصت الاتفاقية على التزام الاقتصاد الفلسطيني بمعدلات رسوم جمركية وضريبة المشتريات والجبايات والرسوم والأعباء الأخرى النافذة في "إسرائيل" كحد أدنى على الكميات المستوردة، بهدف حماية الصناعة الإسرائيلية، فمن المعروف أن "إسرائيل" تفرض معدلات جمركية مرتفعة على وارداتها، وخاصة على السلع المعمرة، والتي تصل نسبتها الى حوالي 70% من قيمة الاستيراد، وتنص الاتفاقية على فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة واحدة على البضائع والخدمات المنتجة محلياً والمستوردة من الخارج، حيث التزمت السلطة الفلسطينية بنسبة 14%.

الأمر الذي شكل عبئا على الاقتصاد الفلسطيني عامة وعلى الصناعة خاصة، واسهم بالركود الاقتصادي، وأثر سلباً على مستويات المعيشة للفلسطينيين.علما ان دخل الفرد الاسرائيلي يوازي، دخل 15 مواطنا فلسطينيا، في ظل نظام ضريبي مماثل، وفقا لما أعلنته منظمة "أوكسفام" عشية الذكرى العشرين لتوقيع اتفاقية أوسلو، ويشير أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت الدكتور باسم مكحول، ان العبء الضريبي على الفلسطينيين يبلغ 32% من إجمالي دخله، ويؤكد أن هذه النسبة تعد من أعلى النسب في الوطن العربي، في المقابل لا تقدم الحكومة الفلسطينية خدمات لما هو مأمول لدافعي الضرائب. وفقا لما أوردته جريدة القدس الفلسطينية. اما بخصوص القطاع الزراعي؛ فقد أصدرت قوات الاحتلال أمرا عسكريا منعت بموجبه دخول المنتجات الفلسطينية الزراعية إلى "إسرائيل" إلا بتصريح، بهدف حماية المزارع الإسرائيلي من المنافسة، في حين تدخل المنتجات الزراعية الإٍسرائيلية الأسواق العربية بحرية مطلقة مما ألحق أضراراً بالغة بالمزارع الفلسطيني.

لقد أسهمت اتفاقية باريس في إضعاف الاقتصاد الفلسطيني، وفرض التبعية الاقتصادية، وتلخص منظمة "أوكسفام" الحالة المتردية التي وصل إليها الاقتصاد الفلسطيني في تقريرها: وتقول ان "حياة ملايين الفلسطينيين اصبحت اسوأ مما كانت عليه قبل عشرين عاما، وإذا كانت عملية السلام تشمل تنازلات، فان المدنيين الفلسطينيين هم الذين دفعوا الثمن الباهظ لها حتى الان. وتشير البيانات التي عرضها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" بتراجع حصة القطاعات الإنتاجية في عام 2012 مقارنة مع 1994، كالزراعة التي انخفضت مساهمتها الى أقل من 5 % من الناتج المحلي بعد أن كانت بحدود 12 %، وتراجع القطاع الصناعي الى اقل من 12% بعد ما كان 22.3 %، في المقابل تضخم قطاع الخدمات فقد ارتفعت حصته من 25 % إلى نحو 58 % كما تضاعفت حصة الإنشاءات لتصبح 14% وشكل قطاع تكنولوجيا المعلومات حوالي 7% من الناتج المحلي.

ويمكن الاستخلاص مما تقدم بضرورة التخلص من الاتفاقية الاقتصادية التي تشكل عبئا على الاقتصاد الفلسطيني. علما بأن القرار الذي توصل إليه المجلس المركزي الفلسطيني، أدخل القضية الفلسطينية في مرحلة جديدة، فلم يقتصر رد العدو الصهيوني على الضغوط المالية، وحجز أموال الفلسطينيين المحصلة من الضرائب، أو وقف الدعم من الدول المانحة، والتي قد تؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية. مما يتطلب وضع برنامج عمل وطني موحد لمواجهة التحديات، وتصعيد النضال الوطني الفلسطيني من أجل كنس الاحتلال.

تعليق عبر الفيس بوك