حمد بن سالم العلوي
بداية دولة الإسلام ودَّعها العرب بوفاة الخلفاء الراشدين الخمسة، الذين كان آخرهم عُمر بن عبد العزيز "حفيد عُمر بن الخطاب" - رضي الله عنهما - إذن، فليس من حق لأحدٍ اليوم، أن يزعم بأنّه يمثل دولة الإسلام لا شكلاً ولا مضموناً، أما الداعشيون الجدد، فهم ورثة دواعش لدواعش كُثر، يتفقون في سرقة المال والنفط فوق الأرض، وتحت الأرض، ويسرقون الآثار والتاريخ، والكحل والمرود، سرقات مرتبطة بسرقات عبر التاريخ العربي الغابر، فبالأمس القريب كانوا يسرقون البعير والماعز، ويقتاتون كالوحش المفترس، على فطريات الطبيعة مما هبَّ ودبّ، فليس للحرام والحلال حدود تُحد، ولا لراد يردُ من ليس له وازع رادّ، فصيد واديهم حلال بحكم شريعة الغاب.
إنّ مذهب الدّواعش يختلف باختلاف التجربة، فالذي جرِّب فيه التجويع للتبع، يُجرِّب (هو) اليوم بالترويع والذبح، وفي عرفهم كل ذبح على القِبلة حلال، هذا مدى معرفتهم بالإسلام، فما علموا أنّ الرسول "صلى الله عليه وسلم" طهّر الكعبة من أصنام تُعبد، ولم يُضرهُ صنم في معْبد، وإلا لما ترك ابن الخطاب صنمًا في الشام والعراق، ولا في مصر والسودان في كل بلاد العرب، وهي باقية من حضارات أمم بائدة، سبقت الإسلام بآلاف الأعوام، ومن ضمن الأحاديث الإسرائيلية التي دُسّتْ في كتب السيرة الكثيرة، قد أتوا بعبارة جئناكم بـ (الذبح) وحاشا رسول الرحمة والإنسانية قول ذلك، وإلا لما امتدحه ربُّه بقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ .. } آل عمران (159) بالله عليكم من أين أتيتم بأحاديثكم هذه.
ولكن الطبع قد غلب التطبع حقاً، فيظل الشيطان يوسوس لصحبه زخرف القول غروراً، وكذلك نقول صدق رسول الله في الحديث الشريف عن آكل الحرام (من كان مأكله حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فالنار أولى به) فالقوم قبل النفط كانوا يسرقون ويسلبون، ويقتلون ويقطعون الطرق، وإذا لم يجدوا شيئاً بغض النظر عن الحلال والحرام، فإنّهم يأكلون الفأر والضب وكل شيء على الأرض دبّ، فللأسف الشديد ظل الحال على الحال، حتى لو تغيَّر الزمان وأكلوا (الشوكولاتة) بالذهب وفي صحون المرجان، فإنّ الطبع يظل كطبع الذِّئبُ والضَّبعُ، غدرٌ وخيانة ومكر.
وبالعودة إلى تاريخ العرب، ومقارنته بالنعيم الطارئ عليهم، نجد أنهم نتيجة لحياة طويلة من القهر والقمع وفقدان العدل، قد سيطر عليهم حب السلطة والانتقام، ليس بالضرورة ممن ظلمهم، ولكن ممن تطاله أيديهم، لذلك وهم يفتقدون القوة ووسائلها، فإنّهم لجأوا إلى المكر والخديعة، والدسائس الدنيئة، فأخذوا يدمِّرون بعضهم بعضًا، وذلك بدفع المال للعدو المشترك، فأخذ العدو يدمِّر البيض ببعضه، وصار الحال كذلك الطائر الخبيث، الذي يدسُّ بيضته وسط بيض الطيور البسيطة، فلم يكتف ذلك الطائر الذي فقس باكراً، أن ينعم بالتغذية المجانية التي يحصل عليها، بل عمد إلى التخلص من البيض السابق الذي كان في العش، فشبهت بذلك المشهد الذي رأيته في مقطع فيديو، يتداول في شبكات التواصل هذه الأيام، بالعرب أرباب العش، والطير المدسوس بدولة إسرائيل، ودولة داعش، وأما الطير الخبيث صاحب البيضة، فهو الغرب.
فنحن العرب، نعيب على إيران تدخلها، وننسى أننا نحن من يوسع لها الأبواب، فلو حفظ العرب الود مع صدام بعشرة مليارات كان يطلبها، لما خسروا أكثر من ستمائة مليار، وفوق البيعة العراق كاملاً، ولو أراد العرب كذلك إخضاع سوريا لمودتهم، لدفعوا جزءاً يسيراً من تلك الأموال المهولة لخرابها، ولظلت سوريا حليفتهم، وليست حليفة إيران التي ساعدتها على الصمود، ولو أراد العرب تحرير فلسطين كاملة، لوقفت أمة العرب فعلاً وليس قولاً مع الشعب الفلسطيني، ودعموه بالمال والسلاح، فحررت فلسطين والقدس الشريف، ولما كلفهم ذلك ربع الأموال التي تُدفع اليوم لترويض غزة، ولمنعها من قبول المساعدات الإيرانية، ولو أراد العرب فعلاً، وحدة اليمن والعيش السعيد له، لدفعوا المال للحكومة لتطوير اليمن، وليس للقبائل حتى تصبح أقوى من الحكومة، فهل حلال على العرب دعم من يحبون، وحرام على إيران أن تساعد من تحب؟!!.
عجبا والله متى نعي ونفيق من غفوتنا وغفلتنا وحماقاتنا، فإيران أصبحت دولة عظمى، وأنتم تغردون على المذهبية البغيضة، فليس من اليوم هذا الحمق بنا، بل من يوم افتراق العرب إلى أشياع ونواصب، وذلك قبل 1400 سنة، والغرب يرقص منتشياً على تفرقنا وتقاتلنا، وذلك باسم الإسلام المغدور لا العدل، وليس والله من نجاة لنا، إلا بالتناصح والتسامح وإقامة العدل، لا الكذب على الله بقطع يد فقيرٍ سارق، أما الغني فتزاد له يد على يد، ولا بجلد ضعيف زانٍ، وفي القصور ترتكب الفواحش بلا خجل، هذه الحقيقة المُرَّة، فلنتقبلها كما هي، ودون تلوين ولا تلميع لحاضر هو في الضوء مظلم حقيقة.