سالم الكثيري
نتيجة للحرب الأهلية في رواندا تمت إبادة مليون إنسان، لينخفض عدد سكانها من أحد عشر مليونًا إلى عشرة ملايين في العام 1994م. وبعد انتهاء الحرب عاد الروانديون لبناء بلدهم وتوصلوا إلى فكرة رائعة بتكاليف مالية بسيطة أطلقوا عليها (الماجوندا داي) أي يوم التطوع من أجل رواندا استطاعوا من خلاله استعادة بعض من الروح والحياة لبلدهم الذي كان على مشارف الهلاك، وتقوم الفكرة على أن يخصص السبت الأخير من كل شهر لنشاط تطوعي معيّن يعلنه رئيس الوزراء في خطاب تلفزيوني ليضفي عليه الطابع الرسمي ويتم الإعلان عنه كذلك في الكنائس والمساجد، فمثلا يعلن هذا الشهرعن طلاء البيوت. والذي يليه عن تنظيف المستشفيات أو المدارس أو الحدائق أو الشوارع أو غيرها من الأنشطة .
وبما أن العمل من أجل هذا الوطن المنهك يتم غلق كافة المؤسسات من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة الثانية بعد الظهر وتفرض غرامة قدرها 200 دولار على المتغيبين. وإذا انقطع الشخص عن المشاركة لمدة ستة أشهر دون عذر مقبول يحال إلى المحكمة، وقد يتعرّض لسحب الجنسية. ومع الفارق الهائل بين روندا هذا البلد الذي ذاق مرارة الفقر والحرب ولا زال يعاني منها كغيره من البلدان التي تعرّضت لمثل هذه المآسي وبين وطننا ولله الحمد الذي يعيش أزهى فتراته أجد تشابها بين هذا العمل التطوعي وبين ما يقدم عليه أبناء عمان المخلصون من أعمال تطوّعية في ربوع الوطن. حيث يتحفنا هؤلاء بين فترة وأخرى بأعمال ذات قيمة إنسانية ووطنية تشعرنا بالفخر.
وكي لا أذكر اسم فريق خيري أو جمعيّة وأنسى أخرى أقول إنّها على اختلاف توجهاتها الإنسانية والاجتماعية والطبية والبيئية وغيرها من الاهتمامات قدمت هذه الجمعيات ولازالت تقدم جهودها المتميزة بصبغة وطنية صرفة دونما انتظار لمقابل من أي نوع ويحسب لمؤسسيها وأعضائها الريادة في إبراز ثقافة العمل التطوعي على أرض الواقع ولهذا فإن واجبنا الوطني يحتم علينا كأفراد ومواطنين مساندة هؤلاء المبادرين والوقوف بجانبهم بكل ما نستطيع ولعل قيام الجمعية العمانية للعمل التطوعي في عام 2011 التي تهدف إلى تطوير وتنظيم العمل التطوعي في جميع محافظات السلطنة تعد من أهم النماذج المنظمة لدعم الأعمال التطوعية كما أنّ حملة "ابدأ بنفسك" التي اختمتت أعمالها فبراير الماضي والتي تقوم على فكرة أنّ مبادرة الشخص بتعزيز الجوانب الإيجابية ومعالجة الجوانب السلبية على مستواه الشخصي والأسري ستحقق نتائجها الجيدة على الصعيد المجتمعي تعد أيضا مثالا ناجحا في هذا الشأن.
وعلى أجهزة الدولة أن تكون الداعم الرئيسي لمثل هذه الجمعيات وتذلل كافة الصعوبات التي تقف في وجهها بعيدًا عن التفسيرات الأخرى والاشتراطات الصعبة ويكفي أن نقف مع أنفسنا قليلا ونقدر أنّ ما يبذله هؤلاء من وقت ومال هو من أجلنا ومن أجل عمان وليس لأي شيء آخر.
بطبيعة الحال لا نتفق على أن يتم فرض العمل التطوعي على أحد حيث سيفقد هنا قيمته الأساسية وهي المبادرة والتطوع ولكني أتمنى أن نحاكي فكرة (الماجوندا داي) وأن تقوم الفرق والجمعيات المختلفة بنوع من التنسيق فيما بينها تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية بحيث تتضافر الجهود ويتم التركيز شهريًا على عمل معين يشترك فيه الجميع تحت مسمى (يوم من أجل عمان) أو أي اسم يتفق عليه نقدم من خلاله شيئًا ذا قيمة لوطننا العزيز.