ما بعد زيارة كيري

علي بن بدر البوسعيدي

حملت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي في جعبتها الكثير والكثير من الملفات الشائكة، والمتعلقة بالقضايا الراهنة في المنطقة ؛ لكن يظل الاتفاق النووي الإيراني أحد الملفات المهمة التي سيطرت على أجواء المحادثات بين القادة الخليجيين وكيري. وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال جولة وزير خارجيتها إلى طمأنة قادة دول التعاون حول أن الاتفاق النووي مع طهران سيعالج المخاوف الأمنية لدول الخليج العربية، وأنّ واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أعمال إيران التي تتسبب في زعزعة أمن واستقرار المنطقة".

الواقع بمعطياته الجديدة هذه يعني أنّ المنطقة تدخل منعطفا جديدا في تاريخها؛ الأمر الذي يعني أنّ الصراع السعودي الإيراني والذي كلّف المنطقة كثيرًا؛ ومازال، سواء عبر الصراعات المباشرة وغير المباشرة بات يأخذ منحى مغايرا وبعدًا جديدًا، يفرضه ما يكتنف المنطقة من أزمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن..

ما سبق يثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى حكمة وبراعة السياسة الخارجية العمانية وبعد نظرها الثاقب؛ والتي ارتأت مبكراً أنّ الحياد وعدم استعداء دول الجوار الإقليمي بما فيها إيران هو الضامن الوحيد للسلام في المنطقة، وكانت حكمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- في أن تكون إيران دولة تقرّب بين وجهات النظر المختلفة، وأن تكون جزءا من حل الأزمات بما لها من ثقل إقليمي يمكنها من تعزيز رسالة السلام في المنطقة، وها هي الوساطة العمانية بين أطراف النزاع - إيران وأمريكا والاتحاد الأوربي- تؤتي أكلها، وتثبت حكمة جلالته بوصفه قائدًا للدبلوماسية العمانية التي لعبت وستلعب دوراً بارزاً ومؤثرا في نزع فتيل الأزمة، ودفع اللاعبين الأساسين للوصول إلى اتفاق سلمي يجنب المنطقة شر الصراع وويلات الحروب التي لا تبقي ولاتذر.

وللحق أقول إنّ الدبلوماسيّة الإيرانية انتصرت وربحت الجولة في آخر المطاف، فقد استطاعت أن تحقق كثيرًا من المكاسب في مشوارها التفاوضي الذي اتسم بالصبر والدهاء وبعد النظر، حيث لم ترضخ للعقوبات الذكية أو الضغوطات الدولية بل عاملت الغرب على طريقة الند بالند؛ وحينها اضطر الغرب إلى الوصول إلى حلول وسط ترضي الطرفين؛ وهذا للأسف ما لم يستطع تحقيقه العرب على الضفة الأخرى من الخليج ؛ فبدلا من اجتراح الحلول لأزمات المنطقة وجيوبها الملتهبة جلسنا على مقاعد المتفرجين ومنحنا كامل ثقتنا الزائدة والعمياء للغرب الذي لا يعرف الأصدقاء بل لغة المصالح وميكافيلية الفلسفة المادية..

أخيرًا, نتطلع إلى أن تستضيف مسقط التوقيع النهائي على الاتفاق، وأن يتزامن ذلك مع بشائر عودة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- إلى الوطن وهو يرفل في ثوب الصحة والعافية، وأن يكون السعد وتحقيق السلم على مقدمه الميمون.

تعليق عبر الفيس بوك