لنصارع عدم الرضا بالأمل

مرتضى بن حسن بن علي

"الحراك الاجتماعي" الذي بدأ في عام 2011، إشار إلى وجود حالة قلق تدعو بعض الفئات إلى عدم الرضا عمّا ترى أو تشعر أو تعتقد، الأمر الذي يحفّزها أن تفتش في كل النواحي عن خيارات تومي إلى مستقبل أفضل. غير أنّ بعض حالات التفتيش عن ما تعتقدها من بدائل، تعبر عن نفسها بطرق غير مقبولة أو مرضية، وذلك من خلال التهكم والتشكيك في كل شيء وأي شيء، حتى أصبح شيئًا من الأمور العادية ودون إدراك أو وعي عن رسائل الإحباط التي ترسل في كل الاتجاهات عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، بحيث أصبح كل سلاح مباح، كما أصبح كل شيء مباح. هناك عدد من "الغارات"، تتدافق موجاتها، غارة بعد غارة وبلا انقطاع، وتلك كارثة بلا حدود ولا قيود، لأنها تودي بكل شيء، بما في ذلك الحاضر والمستقبل.

كثيرون من الأشخاص يعبّرون عن أنفسهم بطرق مختلفة ومتباينة غير أنّ بعض الطرق تجاوزت حدود حرية التعبير المسؤولة وتحوّلت إلى نوع من صناعة الفوضى، وبدأت تؤثر سلبًا على البلد وأمنه واستقراره، عبر التلاعب بموجات متلاحقة من الرسائل تسبب اليأس و القنوط..
والظاهر أنّ بعضا منّا بقدر ما يستهلك من تكنولوجيا هذا العصر بمقدار ما يزداد تنائيه عن روح هذا العصر ووعده، دون إدراك، أننا لن نتمكن من التصدّى للمستقبل من خلال إصدار الأوامر اليه فقط واستعمال تعبيرات من قبيل " أنه من الضروري" و " أنه من الواجب" و " أنه من الحتمي" أن نفعل كذا وكذا، فنحن نستطيع أن نكرر مثل هذه التعبيرات إلى آخر الزمان دون أن نغيّر من الواقع شيئا..
وربما أنّ المأزق الذي يجمعنا، هو أننا إذا اخترنا التخلّي عن الأمل فسوف نجد أنفسنا في موقف صعب وسط إقليم حولنا يتعرّض لعملية نحر وتآكل لا أحد يعرف إلى أين ستصل. إقليم متجه إلى محظور الاندفاع إلى الفوضى الشاملة، ولفترة قد تطول، وهذه الفوضى الشاملة قد تسحب معها - و على الأرجح أنها بدأت تسحب - زلازل عنيفة على شقوق وانفلاقات جاهزة للزلازل.. وإذا سيطر علينا الياس والتشكيك في أي شيء وتوقفنا عن السير فهو استسلام لليأس. وهذا استهتار بالمصير لا نقدر عليه ولا نتحمله، وفوق ذلك فإن مسؤولية الحياة - وهي أعظم آيات الله في كونه- لا تقبل به ولا ترضاه. .
وإذا كان قرارنا - وليس هناك بديل له - أن نتحمّل مسؤولية الحياة، فقد يكون ضروريًا أن نبدأ محاولتنا في تغليب الأمل على ما عداه ونتعاون سوية جميعا بتوصيف ما نحن فيه وأسبابه تمهيدا للتشخيص ومن ثمّ إيجاد العلاج المناسب وقبول ذلك العلاج مهما كان مرًا.
إنّ اللغة المفرطة في التهكّم وتجاوز كل شيء والقفز فوق كثير من الحقائق وازدياد الشد والجذب والاحتكاك والجدال حولها، لن تؤد إلى تحقيق أي هدف، وربما تؤدي الى هدمه - سواء عن وعي أو بدونه - وتكون مدخلا إلى تطويق وحصار كل ما أنجز وكل ما هو قابل للبقاء والتطور، وتصفية آثاره ومحوه من الذاكرة الوطنية، كما يؤدي كل ذلك إلى بناء تحصينات تحجز المشروع الوطني من إمكانيات تجديد نفسه والتلاءم مع مستقبل من حق المواطن أن يتطلع إليه بعيدًا عن المحاولات الجارية لإلحاق التشوه فيه، وأن يقاربه بالفكر ويستطلع مسالكه بالفهم.. بطبيعة الأحوال أن الأوطان من حقها وواجبها أن تراجع تجاربها.
والمراجعة الأمينة لا يمكن أن تتم بإلغاء ما تمّ إنجازه أو التنكر له، بل إنّ المراجعة الأمينة هي حساب يجمع ويطرح.. يجمع ما تم بناؤه أو تحقيقه والبناء عليه ويطرح من المعادلة أية أخطاء لحقت به. والمراجعة الأمينة في النهاية تتمثل بإضافة إنجازات أو إضافة خبرات يصبح تراكمها أرصدة توفر للأوطان طمأنينة تحتاجها في يومها وغدها. .
وبدون أي شك، فإنّ التعبير في الملاءمة مع العصور والحقبات والأزمنة ضروري وواجب، وإلا فإنّ الأوطان تتجمد ثم تتخلف، وهي رسالة جيل اليوم إلى بعض مسؤولينا .على أنّ التغيير يمكن أن يتم بغير كسر، لأنّه حين ينكسر خط حركة فأن اتجاهه الطبيعي بعد الكسر إلى الأدنى، ويصعب تصوره بعد الكسر إلى أعلى.. ولكن التوازن الضروري للأوطان ولمراحل تطورها، يفترض أمرين:
أولهما: الأمانة في مراجعة ما صنعته وأضافته رؤى معينة في عصرها وزمانها ومراحل تطور الوطن، ثم إضافة صافي حساب المراجعة إلى رصيد الوطن ..
والأمر الثاني: بحث الضرورات المتغيّرة والتي لا تنفع معها الرؤى السابقة - ثم مباشرة التجديد..
ولكن مع الأسف ما نشاهده هو نوع من الثبات والتخندق غير الصحيّان في المواقف ومن جهة أخرى نرى محاولات تبذل لإنكار الأمس وإلغائه - ما نشاهده هو عدم وضوح الرؤية من جهة ومن جهة أخرى تسريع في الهرولة إلى غد دون رسم خرائطه أو معرفة شروطه ومن دون فحص للأرضية التي نقف عليها ومن غير استيعاب ما يحيط بالمنطقة من رياح عاتية. .
والأمل الآن أن نفتح جميعا عقولنا وقلوبنا وفكرنا لبعضنا البعض وأن نناقش المستقبل وشروطه ومستلزماته وأن نذهب إليه بطريقة سليمة ومطعمة بتجارب الماضي، ومن واجب الجميع بدون استثناء المساعدة على فتح هذا الطريق للمستقبل ويشارك في إرساء قواعد متينة تستند إليها آلية التغيير المأمون.

وظني - وربما أملي- أنّ وسائل العصر، مضافة إلى شحنة القلق، وحراك اجتماعي واع، ووجود قيادة حكيمة وقادرة على استيعاب المتغيّرات والتجاوب معها، قادرة كلها أن تتحول إلى طاقة إيجابية، تصارع عدم الرضا بالأمل ولا تصارع الأمل بعدم الرضا..

appleorangeali@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك