كفى العرب جلوسا على مقاعد المتلقين

عبيدلي العبيدلي

"التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الخميس (5 مارس 2015) في الرياض نظراءه في دول الخليج لاطلاعهم على سير المفاوضات النووية مع إيران وبحث النزاعات المتعددة المشتعلة في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تتضمن مباحثاتهم السبل الضرورية لتعزيز القتال ضد المجموعات الجهادية في سوريا والعراق. وبهدف طمأنة حلفائه، (أكد كيري) أن واشنطن لا زالت قلقة من محاولات إيران نشر نفوذها في المنطقة، مشيرًا إلى أنّ واشنطن تواصل مراقبة أفعال إيران التي تزعزع الاستقرار، (مضيفًا)، حتى وإن كنّا نخوض هذه المحادثات مع إيران حول هذا البرنامج، فلن نتغاضى عن أعمال إيران التي تسبب زعزعة للاستقرار في المنطقة".

يمكن قراءة الأخبار التي غطت زيارة كيري للرياض، وأحد نماذجها الفقرة أعلاه، على أنّ تلك الزيارة الخاطفة كانت بمثابة وضع الخطوط الرئيسية من أجل الوصول إلى اتفاق شامل بشأن إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط، بين حليفين استراتيجيين (العرب الخليجيون والأمريكان)، بينهما الكثير من المصالح المشتركة. لكن التوقف عند بعض المحطات التي سبقت وصول الوزير الأمريكي إلى العاصمة السعودية التي ترفع العديد من علامات الاستفهام التي يقترب البعض منها إلى مستوى التشكيك في صدق نوايا واشنطن، وتوجيه التهم لها بشأن صدق هذه النوايا مع حلفائها العرب.

فقد التقى كيري في جنيف، قبل اجتماعه بوزراء خارجية دول مجلس التعاون، نظيره الإيراني محمد جواد ظريف "بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن المفاعل النووي قبل انتهاء المهلة المحددة في 31 مارس".

ومن بين ما رشح من معلومات حول تلك الزيارة ما يؤكد أن هناك اتفاقاً قد تمّ التوصل له بين واشنطن وطهران، تتجاوز حدوده المسألة النووية. هذا ما تكشف عنه تصريحات كيري في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي، وقال فيه بالحرف الواحد "لن نتغاضى عن أعمال إيران التي تسبب زعزعة للاستقرار في المنطقة (معددا) سوريا ولبنان والعراق والجزيرة العربية وخصوصا اليمن، (مضيفا) أنه يزور السعودية لاطلاع وزراء خارجية دول الخليج على ما وصلت إليه المفاوضات مع إيران، (موضحا) نحن لا نتوقع مساومة كبيرة. لن يتغير شيء في اليوم التالي لتوقيع هذا الاتفاق، إذا توصلنا إليه، بالنسبة لأيّ مسألة أخرى تشكل تحديًا لنا في هذه المنطقة، عدا عن أننا سنكون اتخذنا خطوات لضمان أن إيران لن تحصل على السلاح النووي".

ما يقوله ذلك التصريح، أن هدف الولايات المتحدة يكمن في إبطاء، وإلى حد بعيد تضييق دائرة حدود المشروع النووي الإيراني، وما عدا ذلك لا يدخل في نطاق ما يمكن أن يشكل تهديدا مباشرا للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، الذي لا يدخل في نطاق اهتماماته من يكون الطرف الأكثر حضوراً في رسم سياسات المنطقة، طالما أنّ هذه السياسات، لا تحول دون وصول إمدادات النفط إلى مصانع الغرب، ولا تمنع تدفق أموال بيع السلاح إلى جيوب الاحتكارات العسكرية الغربية، ولا تشكل تهديدا حقيقيا للأمن الإسرائيلي.

تصريح آخر ينبغي أن يثير القلق العربي، ويصب الماء في طاحونة المشروع الأمريكي - الإيراني الشرق أوسطي، هو جاء على لسان قائد الجيوش الأمريكية الجنرال مارتن دمبسي، قبل يومين من وصول كيري إلى الرياض، وأكد فيه على "أن دور إيران في استعادة تكريت قد يكون إيجابيا، (مستدركا) إذا لم يتسبب في نزاعات طائفية جديدة". ما يلفت النظر هنا ما كشفه ديمبسي "أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أمس أن المساعدة الإيرانية للمجموعات المسلحة الشيعية ليست جديدة، لكنها تتم بشكل علني أكثر هذا الأسبوع مع إطلاق هجوم القوات العراقية لاستعادة تكريت". هذا يؤكد التنسيق الأمريكي الإيراني الذي نتحدث عنه.

ولكي لا تثير "اتفاقات الولايات المتحدة مع إيران" حفيظة العواصم الخليجية، بادر كيري إلى طمأنة حلفائه مؤكدا " أن واشنطن لا زالت قلقة من مساعي إيران لنشر نفوذها في المنطقة".

هذا يدفع القارئ إلى فهم زيارة كيري إلى الرياض على أنها ليست من أجل مناقشة رؤية المسؤولين الخليجيين لمستقبل المنطقة، بقدر ما كان دعوتهم لقبول نتائج مباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين، وليس الهدف مما سرب من أخبار حول الملف النووي الإيراني سوى ذر رماد الاتفاق الإيراني - الأمريكي، الذي لا بد وأن يكون قد حظي بعدم ممانعة الزاوية الثالثة في مثلث العلاقات بين واشنطن وطهران، وهي إسرائيل، في عيون المسؤولين العرب.

هذا ما تنبهت له تركيا، وربما بشكل متأخر بعض الوقت، فسارعت إلى بعث وزير دفاعها في زيارة مفاجئة إلى بغداد كي يعرض عليها "خدمات سخية"، يمنح أنقرة دورا فاعلا بعد "أن اكتشفت (تركيا) أن إيران قد نجحت في قلب الحرب لفائدتها". فتركيا أكثر من يدرك، بل ويقلق أيضاً من أن تؤدي نتائج تلك المباحثات التي جرت بين واشنطن وطهران "إلى اتفاق بين طهران والغرب يطلق التمدد الإيراني في المنطقة بشكل قد تصعب مواجهته في المستقبل".

هذا ما نوه له أيضاً وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، عند ما "أعرب عن أمله بأن تفضي هذه الجهود التي يقودها المجتمع إلى أن تصبح إيران جزءًا من حل الأزمات في المنطقة لا جزء من المشكلة.. مؤكداً أن إيران دولة جارة لا أحد يضمر لها العداء لكنها إذا استمرت في تدخلها في الشؤون الداخلية ستضع نفسها ضد المصلحة العربية والقيم العالمية".

في ضوء كل تلك التطورات، فإنّ أخطر عنصر يهدد الدور العربي في منطقة الشرق الأوسط، هو إصرار العرب على الاستمرار في الجلوس فوق مقاعد المتلقين، بدلاً من الانتقال إلى كراسي الفاعلين. فالمتلقي، مهما عظم الحيز الذي يشغله، يبقى بعيدًا عن دوائر صنع القرار، ويضطر، شاء أم أبى، إلى القبول بنتائجه.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك